الخيال عدو الديكتاتور الأول، هو يريد أن يستعبدك ويجعلك شيئا من أشيائه، بينما الخيال يطلق لروحك العنان ويجعلك قادرا على خلق عوالم عديدة تعيش فيها وتعيش فيك، هو يريد أن يقنعك أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، لتظل قانعا بفتات يرميه إليك بين الحين والآخر، بينما الخيال يحرضك دائما على الأجمل والأكمل الأروع والأفضل، هو يريد أن يسجنك فى أربع حيطان، بينما الخيال يحررك ويدفعك لأن ترسم على الحائط بسمة ووردة وجناحا طائرا، يوقظ الخيال فيك حب الحياة حتى وإن لم تكن متاحة بالشكل الجمالى، لكن مجرد تخيلها يجعلك تحاول جاهدا لتحويلها من أمل مشتهى، إلى واقع ملموس.
خذ عندك هذا المقياس البسيط لمعرفة واكتشاف الطغاة، فإن رأيت أحدا يحارب الخيال وصانعيه فاعلم تمام العلم أن هذا الرجل طاغية داهية مقيت خبيث معتد أثيم، واعلم أيضا أن الخيال كالقدر، قادم قادم، والخائفون من الخيال هم طغاة الأرض وأمراضها، يريدون أن يوقفوا مجرى النهر عند أقدامهم، ومن تحتها نشرب وإليها نلجأ، يقفون حجرا فى طريق الإنسانية الرحبة المتناغمة، فيجبرونك على الرجوع إلى الماضى أو الوقوف فى الحاضر، والماضى موت إن لم تعتبره سلمة سحيقة مهجورة، والحاضر سجن إن لم يحمل عينيك إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
تهوى البشرية الشائخة إن سارت غير متعكزة على الخيال، تفقد اتزانها، وتزل قدمها، لابد من عصا -هى الخيال- تتقدم خطوة، فتتحسس الطريق وتمهده، لتتكئ عليها البشرية، فتصبح خطوة مباركة، فهو السبب الرئيسى لتقدم الإنسانية وتطورها، وإن حبسه الإنسان وقيده لكان إلى الآن حبيس الكهف، يعبد الحيوانات والطيور، ويخاف من الريح والشجر والمطر.
بعض دول العالم تضع مواد غير مألوفة فى دستورها، فدستور كوريا الجنوبية مثلا يقول: على الدولة أن توفر «السعادة» لسكانها، ولو فكرنا بنفس الآلية فلا أتخيل أننا فى حاجة إلى شىء مثلما نحن بحاجة إلى الخيال، واجب علينا أن نربيه وننميه ونسهر الليالى لنكتشف طرقا لندرب أبناءنا عليه، إن كنا فعلا نريد أن نتقدم ونخطو بخطى واثقة نحو المستقبل، فالأنبياء جميعهم تخيلوا قبل أن يتنبأوا، ولما آتاهم من لدن الله وحيا، خاطب الله فيهم غريزة الخيال وأثراها وأطعمها، فآمنا به ولم نره، وعملنا للجنة ولم نشم ريحها بعد، وهربنا من النار ولم يلفحنا لهيبها، وكل العلماء والشعراء والفلاسفة والمفكرين والمخترعين، كانوا يتخذون من الخيال قوتا، ويحاربون من أجل عدم تقييده.
قديما كان آباؤنا يقولون لنا: على قد لحافك مد رجليك، أما الآن فأعتقد أننا يجب أن نقول ولأنفسنا ولأبنائنا من بعدنا «على قد خيالك.. مد عينيك».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة