فى كل عام ينشط المنجمون الذى يكذبون كلما صدفوا لكنهم يصرون على طرح توقعاتهم ويرسمون حركة الكواكب ومقابلات النجوم.. فى العام الماضى كانت الانتخابات التى تم تزويرها بأغلبية حزب وطنية، كان مبارك الحاكم من عقود يرفض الإفصاح عن نواياه تجاه التوريث ومصر تغلى بالاحتجاجات والغضب ومحاولات الانتحار، كان السؤال «مصر رايحة على فين؟»، كان سؤالا على لسان كل واحد، الآن بعد ثورة أطاحت بمبارك وحزبه وجزء من نظامه، وبعد مظاهرات ومصادمات وشهداء مازال السؤال: مصر رايحة على فين؟ السؤال هو نفسه والواقع مختلف، لا يمكن القول إن نفس المعطيات والأشخاص هم أنفسهم الذين كانوا قبل عام من الآن.
كانت جماعة الإخوان تحمل لقب «المحظورة»، بينما الحزب الوطنى محظوظا بالفساد والتزوير والسيطرة والخلط بين السلطات، اليوم أصبحت المحظورة هى الجماعة «المحظوظة» بمقاعد البرلمان، للمرة الأولى بعد 84 عاما، بينما الحزب الوطنى أصبح «محظورا» ليس بالقانون، وإنما بالإرادة الشعبية التى استبعدت الفلول.
الجماعة وحزبها ليسوا مبتدئين بالسياسة ولديهم خبرات من العمل السياسى والنقابى طوال عقود، ربما كانت المفاجأة فى حصول السلفيين على نسبة معقولة من المقاعد بالرغم من أنها المرة الأولى التى يخوضون فيها الانتخابات، وبعد سنوات كانوا يرفضون فيها فكرة الانتخابات ولديهم شكوك فى الديمقراطية، مع الإخوان والسلفيين هناك تشكيلة من اليسار والليبراليين، كل هؤلاء يشكلون سلطة تشريعية بالانتخاب لأول مرة منذ عقود طويلة.
ولا تحتاج الصورة إلى منجمين ولا قراءة طالع، لرسم سيناريوهات المستقبل، المجلس العسكرى يحمل صلاحيات مبارك بعد تنحيه، خلال أيام سوف يسلم سلطة التشريع، وتتشكل حكومة تكون مسؤولة أمام البرلمان قبل أن يتم انتخاب رئيس، وتبدو معركة الدستور هى الموقعة التى تحتاج إلى توافق عام، لو انتهت بدستور عصرى مدنى يضمن المساواة والحرية وتكافؤ الفرص، ويحدد صلاحيات ومدة محددة للرئيس فسوف تكون مصر قطعت خطوات للأمام.
أما إذا استمرت صراعات السلطة على أرضية الماضى، أو فكر أى فصيل فى الاستئثار بالسلطة والخلط بين السلطات، فساعتها سوف نعود إلى المربع الأول لنبدأ من جديد.
الوضع الآن فى مصر لا يتحمل أن يتصدى له فصيل أو فريق دون الآخر، وبالرغم من مرور شهور ووقوع صراعات ومصادمات، فإن الشرعية التى تحكم اليوم، مستمدة من وحدة ميدان التحرير فى الفترة من 25 يناير إلى 11 فبراير، عندما كانوا يطالبون بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وأى دستور قادم لابد أن يضمن هذه الأهداف.
وعلى أى فصيل أن يقرأ تجربة مبارك، وكيف تغيرت معادلات السلطة تماما، لم يعد ممكنا لفرد أو تيار أو يبقى من دون إرادة شعبية، ومراعاة للتنوع والحريات.. الإرادة الشعبية وحدها ستحدد من يكون محظورا، ومن سيكون محظوظا.