لم نبدأ كتابة الدستور، وبالتالى لم نحسم هوية مصر بعد الثورة، وشكل الدولة وطبيعة النظام السياسى والاقتصادى، وأدخلنا المجلس العسكرى الذى لم يتعامل بمنطق الثورة فى نفق مظلم من الأزمات، ضاعف منها انقسام النخبة السياسية وفشلها فى التوافق والعمل المشترك.
استدعى الخروج من نفق الأزمات وإنقاذ الثورة ثلاث موجات ثورية، وعديدا من المليونيات، لكنها لم تنجح سوى فى الحصول على بعض المكاسب والإصلاحات، لأن قوى الثورة منقسمة وتعمل بدون قيادة أو برنامج. وفى سياق موجة ثورية أجريت أهم انتخابات فى تاريخنا منذ 60 عاما، لكنها لن تضع نهاية لأزمة الحكم والثورة، بل ربما تضاعف من حدة الأزمة وتمنحها وجوها ومستويات جديدة أكثر تركيبا وتعقيدا.
الانتخابات بدت على النقيض من الثورة، ولم تحسم نتائجها إشكاليتى الشرعية والهوية، وكل منهما لها أبعاد ثقافية وسياسية وقانونية، أهمها الشحن والتوظيف الطائفى الذى رافق الانتخابات، والتخبط بشأن صلاحيات مجلس الشعب، وحق الأغلبية المنتخبة فى تشكيل الحكومة وإقالتها، وقواعد اختيار أو انتخاب اللجنة التى ستقوم بكتابة الدستور. هكذا بدت مصر أمام قدر هائل من الغموض والارتباك، علاوة على ضيق الوقت المتاح لاتخاذ قرار، وهى أهم ملامح موقف الأزمة.
فالأوضاع الأمنية والاقتصادية ضاغطة، وهناك جدول زمنى معلن لتسليم السلطة لرئيس منتخب فى يوليو القادم، ومع ذلك لا أحد يعرف جدوى انتخاب برلمان بدون صلاحيات، ومصير وثيقة السلمى، وهل تقبلها الأغلبية المنتخبة صاحبة الشرعية التى لا تتوافر لأى طرف سياسى، بما فى ذلك المجلس العسكرى، ثم هل نحن بصدد أغلبية مكونة من الإخوان والسلفيين أم أن عمق الاختلافات الفقهية والفكرية والسياسية ستحول بين دخولهما فى ائتلاف مشترك؟، وبالتالى قد نشهد ائتلافا بديلا يشكل أغلبية من الإخوان وأحزاب أخرى.
أزمتنا المركبة مستمرة، والغموض والارتباك سيدا الموقف، والمجلس العسكرى والنخبة أقل من أن تستوعب مخاطر الأزمة واحتمالات الصدام بين المجلس العسكرى وبعض الأحزاب والقوى المدنية من جهة، والإخوان والسلفيين من جهة ثانية.. وحتى إذا استبعدنا سيناريو الصدام، وهذا ما أتمناه، فإن هناك شباب الثورة الذى يتحرك بدون حسابات أو مناورات سياسية، بل بمثالية وروح ثورية مخلصة، وهؤلاء هم أصحاب الفضل فى تفجير الثورة، وإجراء الانتخابات، والإعلان عن موعد تسليم السلطة، ومع ذلك فإن تمثيلهم فى البرلمان سيكون ضعيفا للغاية، وبالتالى هل يحق للثوار الاستمرار فى التحرك الاحتجاجى للضغط على المجلس العسكرى وحكومته، بل البرلمان لتحقيق أهداف الثورة، الأمر الذى قد يثير صدامات بين برلمان منتخب، وثوار غير منتخبين ولا يمثلون الشعب.
أزمة مصر وثورتها على وشك الانفجار، لكن لا توجد أزمة بدون حلول، شرط العمل الجاد، والتفكير من خارج الصندوق، لكن المجلس العسكرى متمسك بالتفكير من داخل صندوق أفكار ورجال مبارك، فأصر على الجنزورى، ووافق على مجلس استشارى لا صلاحيات له، والأهم لا معنى له فى ظل اختيار الشعب لممثليه!
أعتقد أنه لا بديل عن الحوار والتوافق مع كل الأطراف بما يتماشى مع أوزانها النسبية التى عكستها المرحلة الأولى من الانتخابات، ومع التراث التشريعى والقانونى المصرى، ولا بديل أمام المجلس العسكرى سوى أن يتخلى عن عناده، ويتفهم أبعاد واستحقاقات نتائج الانتخابات. فى الوقت نفسه أعتقد أن نقاء السلفيين وخبرة وحكمة الإخوان المسلمين ونزعتهم العملية ستمكن من الوصل لحلول وسط يتوافق عليها كل المصريين. والمهم أن نبدأ.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة