حالة غريبة من الازدواجية يعيش فيها ممثلو التيارات السياسية ذات الصبغة الدينية، فلم يتوان أحد عن استخدام الدين فى معركة المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، الكنيسة تحشد أتباعها، والمساجد تعبئ أنصارها، وفى هذا السلوك المدمر، يضحى رجال الدين بمكانتهم الدينية ويبخسونها قدرها، وبدلا من أن يصبح الدين هو حائط الصد الأخير، والملاذ الآمن من تقلب الحوادث يتحول إلى لاعب أساسى فى الحياة السياسية، يتعرض إلى الإخفاق مرة والتلوث مرة، وبذلك يضحى السياسيون بمكانة الدين فى قلوب الناس ويجعلونه حطبا يشتعل ليدفأوا هم وحدهم.
وللإمعان فى التدنى لم يكتف مرشحو التيارات الدينية المدعومون بمؤسسات كنسية أو إسلامية بحشد الأتباع وتحريض المناصرين، لكن بعضهم حاول إدخال الدين عنوة فى المعركة بطريقة تحريضية لا تتناسب مع روح الديانات السمحة، وكان أبرز تلك الوقائع تلك الحملة الطائفية البغيضة ضد مصطفى النجار مرشح حزب العدل فى شرق القاهرة، حيث روج بعض المنتمين إلى حزب النور السلفى وحزب «الحرية والعدالة» منشورات دعائية، تتهم مصطفى النجار بأنه مرشح الكنيسة فى الدائرة، وهو ما يتنافى تماما مع الواقع، وهو أيضا ما استوجب اعتذارا من منافسه الشيخ محمد يسرى، ومن الدكتور محمد مرسى رئيس حزب «الحرية والعدالة»، وكنت أظن أن الأمر انتهى عند هذا الحد، لولا اتصال أحد أصدقائى القاطنين بمدينة نصر ليقول لى إن أصدقاءه المتدينين يلومونه لأنه أعطى صوته لمصطفى النجار، لأنه بحسب قولهم «مرشح الكنيسة» ما يدل على أن هذا السهم القذر قد انطلق ولن يقف إلا برحمة الله وتقديره.
لا أرى مبررا لهذه الحرب الشعواء التى تعرض لها النجار، من بعض المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، خاصة أن مصطفى ملتزم دينيا، ومن شباب الثورة الواعين المستنيرين، وكنت أعتقد «بسذاجة» أن الإخوان سيدعمونه، باعتباره أحد المنتمين السابقين للجماعة، لكنى فوجئت بأن أحد أكبر قيادات الإخوان قد تفرغ لإدارة المعركة الانتخابية ضده، قائلا لأنصاره «مصطفى لازم يسقط بأى شكل»، وهى ذات الطريقة التى تعاملت بها الجماعة مع عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط، وهو أيضا كان من أحد أهم كوادر الجماعة وانفصل عنها، ما يدل على أن «الإخوان» يعاملون من يخرج عنهم باعتبارهم مارقين يجب تتبعهم والنيل منهم، ليعطوا رسالة عملية لأعضاء الإخوان الحاليين بأن مصير من يخرج عنهم هو الفشل، ليضمنوا ولاءهم، وليؤكدوا أنه لا نجاح بلا إخوان، وحتى إن أراد أحد أن يكسر هذه القاعدة فإنهم يحاولون بكل إمكانياتهم أن يكسروه هو شخصيا برغم تأكدهم من أخلاقه ونزاهته وكفاءته، ما يؤكد أن الجماعة جعلت من نفسها دينا موازيا، وليس جزاء من يخرج عنه إلا حد الردة والاغتيال السياسى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة