لا يحمل الليبراليون اليوم همّا أكبر من خوفهم على حلم الدولة المدنية من الضياع، وهم يرون جحافل التيار الإسلامى تسير بخطا واثقة لتستحوذ على الدوائر الانتخابية، حتى إن كانت على دماء الثوار، كما قال المرابطون فى ميدان التحرير، ويخشى الليبراليون وأصحاب المذهب الوسطى المعتدل أن يصبح الإخوان الجسد والسلفيون الرأس، فيعودوا لسيرتهم الأولى مدعومين بخلفية قانونية وشرعية من الناخبين عبر صناديق نزيهة، لكن بعض هؤلاء المتخوفين على المدنية ترك اليأس يتسلل لنفسه فلجأ لأقرب رصيف، وتحوّل إلى درويش ينعى الديمقراطية والمدنية، ويندب فكره المقهور فى عهد الديكتاتورية، والمضحوك عليه بعد الثورة، والعاقل منهم هو فقط الذى يعترف بأن ما جاء بالصناديق يذهب بالصناديق، وليس بالبكاء فى الفضائيات، وترديد حكايات السلفى الشرير، أو الإخوان والأقزام السبعة قبل النوم.
وإن كان أفضل ما قيل تعليقا على تقدم الأحزاب ذات المرجعية الدينية فى الانتخابات هو القول «لقد جاؤوا للبرلمان بعد خروج الناس للشوارع من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فإن لم يحققوها فالناس سيخرجون للشارع مرة أخرى لإسقاطهم»، فإن أسوأ ما يفعله بعض الخاسرين أن يتركوا كل ما بأيديهم ويتفرغوا لرص النكات والسخرية على حكم الإسلاميين، فتلك مهنة الفاشلين والعاطلين ومرضى القلوب وضعاف النفوس، فالسياسة لا تعرف الانتحار، ولكنها تعرف الكر والفر ومهارة الانسحاب بأقل الخسائر، غير أن الظاهر مما يحدث على الساحة المصرية الآن أنها حرب عقائدية لإثبات أى الطرفين أكثر إيمانا، وأيهما لن يجد ريح الجنة، بينما فريق آخر يعرف طريقه جيدا، فيجهز نفسه للتحول بإطلاق لحيته، وتقصير ثيابه، والتلخص من الصور والتماثيل داخل بيته، وبعضهم يُجهز أفلاما وأغانى تناسب الذوق القادم على غرار «طباخ المرشد» بدلا من «طباخ الرئيس».
وبالنسبة للإخوان القادمين والغارقين الآن فى نشوة النصر القادم، فإنهم يعلمون جيدا حتمية اللحظة التى سيقفون فيها حائرين بين التزامهم بالديمقراطية فيما يخص الحريات والحقوق المدنية، وبين ما يفترضه فيهم العامة من تطبيق للرؤية الإسلامية فى الحكم، والتى قد يكون الزمن تجاوزها فى تلك اللحظة، لكنهم يتغاضون عنها الآن.