لا أعرف كيف استقبلت التقرير الصحفى الذى نشره «اليوم السابع» أمس الأول والذى رصد حالة مفضوحة من استغلال الدين واللعب على المشاعر الإسلامية، فقد ذكر التقرير أن المرشح طارق الرفاعى عضو المكتب التنفيذى لحزب المصريين الأحرار ابتكر طريقة جديدة للدعاية الانتخابية، بأن يصور نفسه بهيئتين، الأولى توزع فى المناطق الراقية وفيها يظهر حليق الذقن منعمه، والثانية توزع فى المناطق الشعبية ويظهر فيها بذقن مهذب مطعما اسمه بلقب الشيخ، هكذا يرضى «الشيخ ومش الشيخ» طارق الرفاعى جميع الأذواق، كذا يقدم نفسه لجمهوره، تقيا ورعا فى إمبابة وأرض اللواء، سبور وجنتل فى الدقى والعجوزة، ولا أدرى كيف كان سيصبح «مولانا» إن ترشح فى سيناء أو النوبة، أو ألقى به حظه فى دائرة شارع الهرم!
الكثيرون استقبلوا الخبر بمزيد من التريقة ورمى الإفيهات الساخنة، أحد أصدقائى تقمص شخصية محمد نجم فى مسرحية عش المجانين وقال: أنا أركب دقن وأروح إمبابة أقولهم أنا شيخ، وأخلع الدقن وأروح الدقى أقولهم أنا روش، وبكده أكون كسبت كل الأصوات. صديق آخر قال: لا تظلموا الرجل، والتمسوا له العذر، واتهمنا بازدواجية المعايير، قال: لماذا تعجبون بأغنية فيروز: حبيتك فى الصيف حبيتك فى الشتا، وتنكروا على الرجل أن يغنى لذقنه قائلا: ربيتك فى إمبابة، وحلقتك فى الدقى؟ بينما تخيلت أن أهل إمبابة وأرض اللواء سيستقبلون مرشحهم أبو وشين بموسيقى أغنية نجاة الشهيرة «قبلك راح فين راح فين» قائلين له: دقنك راح فين راح فين؟
ضحكنا كثيرا، لكننا كنا نعرف أن هذا الضحك من تلك النوعية التى اكتشفها شاعر العرب أبو الطيب المتنبى حينما قال: «وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا» رمينا عشرات الإفيهات وبقلب كل منا غصة لا تحتمل، وبرغم أن هذا المرشح الذى كتب شهادة وفاته السياسية مبكرا قد انسحب من الانتخابات، لكن تبقى هذه «الحركة» شاهدا ودليلا على أننا فى المرحلة المقبلة سنشهد العديد من المساخر السياسية، فقد بح صوتنا فى المطالبة بفصل الدين عن التناحر السياسى، وقلنا آلاف المرات إن دخول الدين فى هذه المعارك الزائلة يشوهه ويسىء إليه، لكن لم يسمع كلامنا إلا القليل، وانساق آلاف المصريين إلى صناديق الاقتراع لينتخبوا اللحية والجلباب وزبيبة الصلاة، ظنا منهم أن فى هذا المظهر مبتغاهم وصلاحهم، فما كان من البعض إلا أن ينافق جمهور الناخبين ويتزين بلحية «عيرة» فاتحا الباب أمام الآخرين الذين ينتوون الترشح للانتخابات المقبلة أن يربوا لحاهم من الآن، ليتقنوا القيام بدور التقى الورع، لتصبح حياتنا كلها «تمثيل فى تمثيل»، وأخشى مع انتشار حالة النفاق العلنى هذه أن تكون النتيجة النهائية هى أن نخسر الدين ولا نربح الوطن.