لعن الله الأنفلونزا.. سهلة العدوى وتأتيك من حيث لا تدرى ولا تحتسب، ثم تسحبك إلى كهف التركيز مع الكحة والرشح وحيرة البحث عن أفضل بطانية تمنحك الدفء والاطمئنان..
هلوسة الأنفلونزا كشفت لى عن وجهها السياسى، سريع العدوى، سريع الانتشار، ويمنح كل من يصاب به حجة لتبرير اختفائه أو فشله فى أداء عمل ما.
أنا أتحدث عن تلك العدوى التى طفحت على سطح الأحداث عقب أيام قلية من تنحى مبارك وأصابت أغلب شباب الثورة والقوى السياسية الجديدة التى خرجت على الشاشات ترشح كلمات وتكح شكاوى من نوعية: نحن نريد فرصة للتواصل مع الجمهور، نحن نعانى من ضعف البدايات، ونريد الكثير من فيتامينات الوقت حتى نستطيع أن ننافس فى أى انتخابات قادمة.
كانت الشكوى منطقية من قوى وليدة تبحث عن مكان فى سباق تعلم جيدا أن جماعة الإخوان المسلمين تتصدره مسبقاً بتاريخ طويل من التنظيم وتماسك نادر نجحت فى الخروج به من 30 سنة مبارك وسط قوى مشتتة وواهنة.
كانت الشكوى منطقية ولكن طريقة العلاج لم تكن على نفس المستوى من المنطق، أو بمعنى أصح لم تجد القوى السياسية هذا الدكتور الشاطر الذى يمنحها علاج التعافى السريع، أو ربما وجدت الطبيب الشاطر ولكنها لم تلتزم بتعليماته، والاحتمال الأخير هو الأقرب للصواب، لأن فترة ما بعد التنحى شهدت ظهور العديد من الروشتات السياسية التى قدمت للشباب خرائط طريق واضحة نحو التواصل مع الشارع وخلق أرضية شعبية وجماهيرية تفتح لهم الباب نحو ممارسة سياسية فعالة.
استسلمت القوى السياسية الجديدة للأنفلونزا السياسية وعاشوا طوال الشهور العشرة التى سبقت الانتخابات فى فترة نقاهة لا علاج، يتسابقون على الشاشات وتشغلهم حكومة شرف والمجلس العسكرى بمعارك فرعية، بينما كانت القوى الأخرى تسحب بساط الشارع من تحت أقدام الجميع، وحينما حانت لحظة الانتخابات كان أغلب شباب الثورة قد أعلن استسلامه للأنفلونزا وجلس أسفل بطاطين الكسل يرشح ويسعل.
نجاح عمرو حمزاوى وزياد العليمى ومصطفى النجار والأداء الجيد لتحالف الثورة مستمرة فى الانتخابات يؤكد أن استسلام شباب الثورة لعدوى أنهم قوى جديدة وتحتاج إلى وقت للتواصل مع الجمهور وخوض انتخابات شرسة هو السبب الرئيسى لهروبهم من معركة الانتخابات وفتح الباب على مصراعيه أمام الإسلاميين والفلول والقوى الأخرى.
نجاح حمزاوى ومصطفى النجار فى اكتساح من أمامها من مرشحى الإخوان بفارق هائل من الأصوات يؤكد نظرية هروب شباب الثورة من الوجهة، ويؤكد أن العمل والتواصل مع الجماهير لم يكن يحتاج إلى سنوات كما يروج الهاربون الذين أضاعوا على الثورة فرصة تمثيلها فى البرلمان القادم بمرشحين أكثر.
حمزاوى والنجار وزياد العليمى وغيرهم لم تصبهم عدوى البحث عن حجج مسبقة للفشل والاستسلام إليها، بل جاءوا من الميدان وأسرعوا بالنزول إلى الشارع وطافوا دوائرهم الانتخابية بأصوات سياسية عاقلة وهادئة نجحت فى أن تتفوق على أموال وتنظيم وخبرة جماعات سياسية أخرى.
لا تستمعوا إلى تبريرات شباب الثورة الهاربين من الانتخابات وحججهم المصحوبة بعويل ضياع الثورة، لأن التجربة أثبتت أن الوقت الذى فرضته الظروف وفرضه صندوق استفتاء مارس الماضى لم يكن طويلاً، نعم ولكنه كان كافياً لأن يمنح الثورة حقها الطبيعى داخل البرلمان، لولا أن المتحدثين باسمها خذلوها واستسلموا لعدوى الفضائيات وانشغلوا بمعارك جانبية اكتشفوا بعد فترة أنها استنزفت قواهم تماماً، فلم يجدوا أمامهم سوى «كحة» الأنفلونزا بديلا يبرر بقاءهم أسفل بطانية الكسل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة