مشوار الانتخابات مازال طويلاً والمفاجآت واردة، ولا أحد يراهن كثيراً على مزاج الشعب المصرى فى اختياراته، فقد لا يستمر طويلاً فى الانحياز لطرف أو تيار تحت تأثير الدعاية المضللة التى مارستها بعض الأحزاب سواء الإسلامية أو غيرها، فمازالت هناك جولة ثانية وثالثة فى باقى محافظات مصر، وأظن أن مساحة الوعى لدى الناخبين المصريين ستزيد فى الجولتين المتبقيتين، وستحسم النتيجة للأصلح والأقدر على تمثيلهم فى برلمان الثورة الذى سيواجه أعضاؤه مشاكل وأزمات ضخمة، وسيتحمل المجلس القادم العبء والمسؤولية الأكبر فى مواجهة تلك الأزمات والمشاكل ووضع الحلول العملية لها بما يتماشى مع الواقع المعقد بعيداً عن الشعارات والتصريحات واستدعاء النصوص واستعارة مواقف القدماء والسلف.
وأعتقد أن الغرور الذى أصاب بعض التيارات الإسلامية بعد حصد العدد الأكبر فى الجولة الأولى أشاع الفزع لدى الناس وليس لدى النخبة الحريصة على مدنية الدولة ووسطية مصر، فقد خرجت الخطابات والفتاوى والآراء المفزعة من رموز وأعضاء التيار الدينى بشأن الموقف من الأمور الحياتية فى مجتمع يعيش بقيمه وعاداته الحضارية والإنسانية والتى لم تتغير حتى مع دخول الإسلام مصر الذى استفاد كثيراً من الحضارة الإنسانية المصرية، فالبعض بدأ يتحدث عن الشرطة الدينية الشبيهة بنظام العسس فى عصور الظلام السياسى والفكرى، وآخرون يلوحون بضرورة تطبيق منع الاختلاط وفرض الحجاب، إلى آخر هذه الأمور التى لا تعكس إطلاقاً الدولة المدنية الحديثة والعصرية الذى يتمناها المصريون فى عمومهم.
ومصر الذى عاشت طوال تاريخها كما قال العالم والمفكر الدكتور جمال حمدان -أم الحلول الوسطى ورائدة الوسطية طوال تاريخها- عصية على الانصياع لفكر أحادى يعيدها مرة أخرى إلى عصور الظلام التى تخلصت منها بلا رجعة، ومن سيحاول أن يجبر المصريين على الانقياد لأفكار وممارسات وسلوكيات تخالف وسطيته، فالميادين ستكون حاضرة، وليس ميدان التحرير وحده، وستكون تلك هى النهاية لهذه التيارات التى جاءت من الزوايا والمساجد الصغيرة إلى البرلمان مباشرة دون المرور على الأحزاب وممارسة السياسة والديمقراطية، وفقا للقواعد الدنيوية، وليس وفقاً لنصوص مقدسة لها مكانة خاصة لدى الجميع.
من كسب فى الجولة الأولى وغرته كثرته ليس بالضرورة أن يكون هو المنتصر والغالب الوحيد، فباقى الجولات ستثبت أن المصريين أذكى من أى تيار يحاول تزييف إرادتهم.. وأرجو أن تصل الرسالة.