سوف يظل المصريون ولزمن طويل يتذكرون وجه هذا الرجل العسكرى بملامح وجهه الحازم والصارم وهو يقف منتصب القامة.. مرفوع الهامة شامخ الرأس، وهو يدب بقدمه ويرفع يده اليمنى إلى جوار رأسه ليؤدى التحية العسكرية، عرفانا واعتزازا وتقديرا لأرواح شهداء ثورة 25 يناير الذين ضحوا وقدموا أغلى ما يملكون فداء للوطن وحريته وكرامته.
هو اللواء محسن الفنجرى، مساعد وزير الدفاع والمتحدث باسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أبكى ملايين المصريين ليلة النصر يوم الجمعة الماضى لحظة أدائه التحية العسكرية لأرواح الشهداء بشموخه العسكرى، وقسمات وجهه العطوفة والحنونة التى امتزجت بحزمه وصرامته فى لحظة مجيدة كانت لها دلالتها العميقة ومضمونها الواضح والصريح.
التحية العسكرية فى تقاليد الجيش المصرى تؤدى للعسكريين من الأحياء والشهداء، وأما أن تؤدى لشهداء مدنيين فلم يكن لها سوى معنى واحد ومحدد وهو أن جيش مصر فى "رسالة التحية" قد أعاد التأكيد وبقوة على أنه جيش الشعب، وأن انحيازه فقط لهذا الوطن وأبنائه فى ثورتهم وغضبهم، وأنه ولن يكون أبدا منحازا لنظام فقد شرعيته منذ اللحظة الأولى لخروج الملايين التى تنادى بإسقاطه ورحيله.
لقد عبر الجيش المصرى فى تحية اللواء محسن الفنجرى عن عظمة العسكرية المصرية وتقاليدها الإنسانية الراسخة منذ إنشائه فى العصر الحديث فى عهد محمد على عام 1821 عندما أدرك مؤسس نهضة مصر الحديثة أن تحقيق النهضة والطموح فى جعل مصر دولة إقليمية عظمى بتاريخها وجغرافيتها لن يتحقق إلا بالاعتماد على سواعد أبناء مصر البواسل والشجعان، وهو ما تحقق له حتى أن جيش مصر وقف تحت قيادة إبراهيم باشا على حدود طرطوس، معلنا أن حدود مصر الشرقية "تبدأ من هنا".
وعبرت التحية العسكرية للشهداء أيضا عن عظمة وأصالة العسكرية المصرية فى أروع مواقفها ووفائها لهذا الشعب الذى بارك ثورتها فى 23 يوليو 1952 فردت له الوفاء بوفاء فى ثورة 25 يناير 2011 لتجسد وبواقعية الشعار الذى أطلقه الشعب منذ 28 يناير بأن الجيش والشعب أيد واحدة وروح واحدة وجسد واحد، رغم محاولات المتآمرين بدس الوقيعة بين الجيش وشعبه أو، بمعنى آخر بين الشعب وجيشه ودرعه وسيفه الواقى.
وفى رأى أنه إذا كانت 23 يوليو ثورة جيش باركها وأيدها الشعب فإن 25 يناير هى ثورة شعب انحاز لها جيش الوطن وحفظها وضمنها فى ملحمة وطنية بديعة، لقد بادل الشعب جيشه حبا بحب وتحية بتحية، وأكد الجيش العظيم أنه لن يكون إلا مع إرادة شعبه وثورته.