هناك قطاع واسع من المصريون ومن الشعب يرون أن ما يجرى من خطوات أو تعديلات لا يتناسب مع حجم وقوة وأهمية ثورة 25 يناير، فما يزال العمل فى التعديلات الدستورية يجرى بنفس الطريقة القديمة، من أعلى، ومن خلال لجان معينة لم يتم التوافق عليها، ثم أن الثورة كانت تريد تغيير النظام وليس ترقيع الدستور القائم، وتغيير النظام يعنى إنهاء النظام الذى كان يقوم على الظلم ويفتقد للعدالة وتكافؤ الفرص، ويحرم المصريين من المشاركة فى إدارة شئونهم.
إن المواد من 74 حتى 85 من الدستور تمنح رئيس الدولة صلاحيات لانهائية، فضلا عن مواد أخرى تضعه فوق الحكومة وفوق البرلمان وفوق القضاء بما يمنع مبدأ الفصل بين السلطات، وبالتالى فإن الأمر لا يتعلق فقط بمواد الانتخاب والترشيح لكن يتعلق بإعادة بناء دستور لجمهورية برلمانية تتوزع فيها السلطات، وأن يكون للسلطة التشريعية وحدها الحق فى التشريع والرقابة، وأن تكون الحكومة حكومة، والقضاء مستقلا وليس تابعا للرئيس والسلطة التنفيذية كما هو حادث فى دستور 71.
فيما يتعلق باللجنة التى تم تشكيلها لتعديل الدستور فهى لجنة معينة ولا تحظى بموافقة أغلبية الشعب، حتى لو كان بعض أعضائها يحظون باحترام، فاللجنة عمليا تضم عدداً من مساعدى وزير العدل ممدوح مرعى الذى بقى فى موقعه بالحكومة التابعة للنظام السابق، ويرأسها المستشار طارق البشرى نائب رئيس مجلس الدولة السابق تضم تحت رئاسته ممثلاً للإخوان المسلمين دونا عن كل التيارات والأحزاب أو من يرشحه ثوار يناير.
الدستور هو أمر سياسى، مما يجعل اللجنة السابقة التى تم تشكيلها أكثر اتساعاً لأنها كانت تضم شخصيات تجمع بين الخبرة القانونية والسياسية مثل الدكتور أحمد كمال أبو المجد والدكتور يحيى الجمل والدكتور إبراهيم درويش والمستشار أحمد مكى وغيرهم من أساتذة القانون، لكن اللجنة الحالية تبدو وكان مهمتها تعديل متعجل لبعض مواد الدستور، بينما كانت مطالب ثورة 25 يناير هى تغيير النظام الذى أدى لإفساد الحياة السياسية طوال عقود، وبالتالى فإن تغيير بعض مواد الدستور لا يعنى تغيير النظام الانتخابى الفاسد، ولو تم إجراء انتخابات بالطريقة القديمة يتوقع أن يفوز فيها المحترفون السابقون ليعود النظام من الشباك بعد أن أخرجته الثورة من الباب.
إذا كنا نتحدث عن ضرورة إعادة صياغة جهاز الشرطة بحيث يكون تابعا للشعب، فإن المادة 184 الخاصة بجهاز الشرطة حاليا تقول "الشرطة هيئة مدنية نظامية، رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية"، وقد تحولت إلى أداة لحماية النظام وليس لحماية الشعب، الأمر الذى يحتاج إلى تدخل دستورى يجعلها تابعة للسلطة التنفيذية التى هى الحكومة، مع ضرورة تقوية مبدأ الفصل بين السلطات، وأن يكون القضاء صاحب سلطة مستقلة وحقيقية، لأن القضاء مستقل فى الدستور شكلا، لكنه على مستوى المضمون تابع للسلطة التنفيذية من خلال المادة (173): يشكل مجلس يضم رؤساء الهيئات القضائية يرأسه رئيس الجمهورية"، ويفترض ألا يكون لرئيس الجمهورية بصفته رئيس السلطة التنفيذية ولاية على القضاء، وأيضا وزير العدل، وبالتالى فإن المواد الخاصة باستقلال القضاء يجب أن يتم تعديلها بما يبعد عنها أى تدخل للرئيس أو وزير العدل، وألا يكون للسلطة التنفيذية أية علاقة بالسلطة القضائية.
سلطات الرئيس تدخل فى كل شىء، بينما الهدف الأساسى للثورة وتغيير الدستور كان إقامة جمهورية برلمانية يكون الفصل فيها واضحاً، وليس على الطريقة السابقة التى كان فيها فتحى سرور يتلقى تعليماته من الرئيس بما يجعل السلطة التشريعية هى الأخرى تابعة للسلطة التنفيذية، ولا تزال هذه المواد تجعل كل السلطات فى يد الرئيس، بينما يفترض أن يكون البرلمان المنتخب انتخاباً حراً هو الرقيب على أعمال السلطة التنفيذية، ومع أهمية التعديل الدستورى يجب إبعاد من أفسدوا الحياة السياسية عن هذه التعديلات، وإلا كان الأمر مجرد تعديلات شكلية تعيد النظام السابق، والذى مازال موجودا وفاعلا بكل قوته.
المادة (156) تقول: يمارس مجلس الوزراء اختصاصاته أولها "الاشتراك مع رئيس الجمهورية فى وضع السياسة العامة للدولة والإشراف على تنفيذها وفقا للقوانين والقرارات الجمهورية"، أى أن رئيس الجمهورية يرأس الحكومة والقضاء، ويصدر القوانين فى غيبة البرلمان، ويقترحها فى وجوده، وتكون الحكومة مجرد سكرتارية تنفذ القرارات، مما يجعل السلطات الثلاث تحت ولاية شخص واحد.
بينما المادة (93) التى تجعل اختصاص مجلس الشعب بالفصل فى صحة عضوية أعضائه، وأن تحقيقات محكمة النقض تعود للمجلس الذى يبقى صاحب السلطة، وهو ما سمى بمبدأ سيد قراره الذى وظفه فتحى سرور أسوأ استخدام. ولا يمكن تجاهل خطورة إجراء أى انتخابات دون إجراء تنقية كاملة للجداول الانتخابية وبدون تنقيتها من خلال لجان قضائية، لا يمكن الثقة فى نجاح عملية انتخابية قادمة.
ولا يمكن تجاهل المواد التى تحدد نسبة العمال والفلاحين، والتى فقدت معناها من كثرة تعديل تعريفات العمال والفلاحين، وتحولت المادة لخدمة نظام مستبد.
هذه مجرد أمثلة تجعل من الصعب توقع الكثير من اللجنة المعينة، وتقلل من نجاح أى عمليات ترقيع للدستور الحالى، لأن التعديل سيجعل نفس النظام قائما مالم يتم إتاحة الفرصة للشعب ليكون طرفا، لأن الترقيعات الدستورية سوف تبقى على النظام الفاسد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة