علمتنى الثورة أن للبشر أنواعاً ثلاثة إما مؤمن وإما كافر وإما منافق، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضهم بعضا، المؤمن لقضيته وحريته وعدالته ونظافته وطهره حتى إن ضربه الكفار وسبه المنافقون وغابت أحلامه خلف قضبان الظلم وهزم فسيبقى للقضية تحيا هى أو يحيا هو.
والكافر متشاءم لا يرى شروق الشمس من خلف عدسات نظارة صنعها لنفسه، يبقى محبطا ومحبطا فى آن واحد، وكأنه عدوى تنتقل إلى كل من حوله، ولكنه يبقى على كفره الذى ورثه ممن سبقوه أفضل كثيرا من المنافق المتلون الذى يبيع مبادئه وأفكاره يوميا فى سوق الروبابيكيا، وكل شىء لديه للبيع والشراء فهو لا يمتلك حتى نفسه لأنه باعها قبل أن يبدأ فى مزاداته المتعددة.
المنافق كالثعبان يتلون كجحره وكجندى جبان يخشى المعركة فيدهن وجهه بلون الشجر لا لكى يباغتهم وينتصر، بل لكى يختبئ فينكفئ، ويقول إنه كان يرغب فى الانتصار والنصر منه برىء، المنافق يركب الأمواج والسحب وكل ما يستحل أمامه ولا يخجل من آرائه القديمة، بل ويخترع لها مبررات واهية تناسب طبيعة المرحلة، فلا ييأس أبدا من رهاناته الخاسرة فتجده فى البداية يناهض الثورة بكل عزم، وفى المنتصف يحاول أن يبدو متوازنا وفى النهاية يشاركك الهتاف "انتصرنا"، رغم إنه أذاقك ذل ومرارة الإحباط وجرعك الخوف من الفشل.
علمتنى الثورة أن أحفظ فى ذاكرتى كل هؤلاء لأصون للمؤمن إيمانه وأهدى الكافر عن ضلاله، وأترك المنافق فى عبثه اللانهائى عسى أن تهديه نفسه إليها أو ربما تهديه ثورة أخرى لا نعلم متى تأتى؟
علمتنى الثورة أن أحب كل هؤلاء ولا أكره فيهم أحدا حتى وإن اختلفت معهم فيبقى للمنتصر فرحة بطعم التسامح تغنيه عن تذكر كل أيام المآسى التى كانت سببا فى النجاح الراهن.
وعلمتنى الثورة أيضا ألا أكون غير نفسى وغير أنا التى أحب فأموت مدافعة عن رأيى وأركل بقدمى كل التوازنات والحسابات والمنطق وانحاز فقط للتاريخ الذى يبقى خزانة مدهشة لكل تلك الآراء والتحولات.
الثورة علمتنى كما لم تفعل أمى، ولم يقدر أبى، الثورة علمتنى الحياة وبقيت فى ذاكرتى درسا لكل معانى الحياة، تحيى الثورة وتحيا أمى ويحيا أبى لأنهما علمانى الثورة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة