لا أحد يستفيد من دروس التاريخ.. هذا أول درس فى تاريخ السياسة، والدرس الثانى أن التاريخ لا يعود مرة أخرى. الإنسان له قدر واحد. تأمل حال الرئيس السابق حسنى مبارك وهو أقرب الرؤساء للدرس غير المستفاد. الرجل حكم ولم يسع لإقامة دولة يمكنه أن يعيش فيها كمواطن، بعيدا عن الرئاسة. لم يتصور نفسه إلا رئيسا حتى آخر نفس. أين ذهبت صوره وتعليماته، والمسبحون بحمده، والجالسون حول هيلمانه. كلهم خانوه فى أول محطة، وحتى هؤلاء الذين بقوا على تأييده، لم يكونوا ممن شملهم عطفه وغطتهم عطاياه.
هل تصور جمال مبارك أنه يمكن أن يعيش خارج سلطة الأب والوريث؟. لم يتصور.. وكل المليارديرات الذين ربحوا من عهد الأب والأم والابن، وكل المطبلين فى أعلامه تركوه فى محاولة للحاق بقطار الثورة، ويستعيدون كل قدراتهم على النفاق. كيف يشعر مبارك وزوجته وأولاده صفحات الأهرام والأخبار والجمهورية من دون صورهم، أو بصورهم متهمين مطلوبين وثرواتهم، وقنوات التليفزيون تشير إلى الرئيس المخلوع. الذى كانوا يسبحون بمآثره حتى أسبوع. السيدة الأولى السابقة التى كانت محور كل شىء، لم تعد محورا لأى شىء غير صفحات الجريمة.
بعد خلعه ربما يكتشف مبارك أنه لو تعود الأيام لغيرت المسار، لكن التاريخ لا يعود «الدرس الثانى».
فى الدول الحديثة يعرف الحكام أنهم سيعيشون فى دولهم كمواطنين، أو رؤساء سابقين يمشون فى شوارعها ويأكلون من طعامها، يحترمونها حتى تحترمهم، أما الديكتاتور فلا يتخيل أن يعيش فى الشارع أو يتعرض للمرض أو الحاجة أو الفقر والعزلة. الديكتاتور يعيش عزلة ما، عزلة وسط الحرس وتقارير الأمن، ومن فرط شعورهم بالسيطرة، يتجاهل أنه سجين تسلطه.
لم يتعظ المتسلطون والديكتاتورات وزبانيتهم، ربما لو كانوا يعملون حساب تلك اللحظات لغيروا طريقتهم، ربما لو كان حبيب العادلى يتصور أن يكون سجينا يوما، ربما غير من حال السجون. كيف يشعر بقانون الطوارىء، الذى دافع عن تجديده إلى ما لا نهاية. وكيف يشعر بالعصا الكهربائية وهل يتخيل شكل السلاح النارى والقنابل المسيلة والرصاص المطاطى القاتل للشهداء.
هل كان أحمد عز يتوقع ولو فى أحلامه أن يكون فى السجن بجوار هشام طلعت مصطفى، هشام نفسه لم يتخيل يوما أن يكون فى السجن ،كان سجين سلطته وثروته، عندما خطط لقتل سوزان أو استخدم المال لشراء أراض وضباط وقتلة محترفين ومسؤولين. ربما يجلس وحيدا فى زنزانة ضيقة لاتليق بملياردير يفكر فى التقرب من سجناء جنائيين بحثا عن الحماية.
الآن هشام فى مواجهة عز، سطوة المال والسلطة وجها لوجه، لو فكر هؤلاء فى تلك اللحظة لفكروا فى بناء وطن يمكنهم العيش فيه بعيدا عن سلطة لاتدوم. هم الآن فى سجن، وموظف يأكل الترمس على الكورنيش أمام مبنى الحزب الوطنى المحترق، لديه سلطة أقوى منهم. هل فكر عز والعادلى وكل شريك للديكتاتور فى مصيرهم اليوم. لو كانوا فكروا لكانت مصر بلدا آخر. تبنيه العدالة والمساواة التى سرقوها ولم تحمهم، لأنهم لم يتعلموها. فالديكتاتورية والتسلط مثل الجريمة لا تفيد.