أكرم القصاص - علا الشافعي

تامر عبدالمنعم

أقسم بالله أن المشهد كان هكذا

الأربعاء، 23 فبراير 2011 07:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المكان: منزلى بالقاهرة
الزمان: الساعة السابعة مساء يوم الجمعة 28 يناير 2011
الحدث: ابنتى ذات الثلاث سنوات تداهمها الحرارة بشدة وتصل إلى الأربعين درجة.. ابنتى الأخرى ذات الست سنوات تصرخ فى حضن أمها التى تضع الكمادات المثلجة على رأس شقيقتها الصغرى وصراخها يعود إلى حالة الذعر التى سيطرت عليها وأمها، بل وجميع الجيران المحيطين بنا.

هرعت إلى التليفون الأرضى (حيث إن المحمول كان متوقفا يومها بناءً على تعليمات الداخلية!) هرعت وأنا أتحامل على نفسى مدعيا التماسك أمامهم لكونى رب هذه الأسرة، واتصلت بطبيب ابنتى الذى هو فى الوقت ذاته ابن خالتى، وبعد عدة رنات أجابنى بصوت مرتعش فهو الآخر فى حالة يرثى لها، حيث إن الفوضى تسود المنطقة التى يقطنها! أجابنى باختصار بأننى يجب أن أحضر "لبوس" أى أقماع خافضة للحرارة، وأيضا مضاد حيوى على الفور تخوفا من أزمة الاختناق الحنجرى التى تصيب ابنتى بسبب الحساسية التى ولدت بها.

موقف عصيب وضعت فيه وزاد من توترى، اتصلت دون مبالغة بما يقرب من عشر صيدليات إلا أن جميعها لا ترد، الأمر الذى دفعنى للنزول مسرعا إلى الشارع لأبحث عن أى صيدلية مجاورة كانت أو بعيدة ويا ليتنى ما فعلت.. لقد كانت الشوارع فى حالة فوضى لم أرها من قبل، حيث من يحمل سلاحا أبيض ويحطم كل شىء وأى شىء، ومن يرتدى سروالا فقط ويجرى حاملا ماكينة "ATM »الصراف الآلى! ومن يحطمون مطعما ويقتحمونه، ومن يحرقون سيارة أمن مركزى بعد أن حطمت أولا عن آخر! رأيت مجموعات من البشر ربما لم أرها من قبل، وكما لو كانوا قد خرجوا من الجحور والقماقم مستغلين تظاهرات الثورة وحالة الانفلات والشلل الأمنى التام.

يأست من إيجاب صيدلية بعد ساعة كاملة من البحث وسط مشاهد مازلت أحلم بها إلى الآن، وقررت العودة إلى منزلى، وتأكدت أن الشرطة قد رُفعت من الخدمة بعدما شاهدت بعينى قسم الشرطة الذى يجاور بيتى خاليا تماما إلا من بعض الغوغاء الذين كانوا يسرقونه! "يا نهار أسود القسم اتسرق أمال إحنا هيعملوا فينا إيه"؟! هكذا كان لسان حالى.

عدت إلى المنزل ووجدت جميع الرجال من قاطنى البناية التى أقطنها مجتمعين أمام البوابة، ومنهم من يحمل عصاه أو بندقية رش أو مضرب جولف إلخ.. لقد علموا أن هناك أفرادا متشردين يحملون أسلحة يهاجمون المنازل ويسرقونها! أسرعت إلى شقتى وتحديدا لدولابى الخاص حيث أضع مسدسى (المرخص) وأخذته بعد أن حشوته بالرصاص ونزلت لأحمى أسرتى من الشارع، إنها حقا لحظة عصيبة أدعو الله ألا يعيدها مرة أخرى.. ماذا أفعل؟ وماذا أحمل؟ لم أتصور يوما أن أحمل سلاحا ولم أتصور أيضًا أن أستخدمه! ما هذا الذى يحدث أهو كابوس أم واقع أعيشه؟! ربما أن قريبا جدا من اللحظة التى سأكون فيها قاتلا أو مقتولا!

فى ظل كل ما سردت وفى ظل تأكدى من أنه لا يوجد من مغيث الآن، فقدت أعصابى وفقدت صوابى أيضا، خاصة بعد أن سمعت تبادلا لطلقات النار بشارع قريب من شارعنا جعل جميع أطفال وسيدات بنايتنا يصرخون، ازداد توترى وفكرت فى مخرج من هذه الأزمة واتصلت بالزميلة الإعلامية البارزة منى الشاذلى على تليفونها الخاص وطلبت منها الاتصال بى من خلال برنامجها المتميز (العاشرة مساء) حتى يصل صوتى إلى الجهات الأمنية، بعد ما يقرب من نصف ساعة بدأ البرنامج وبالفعل قاموا بالاتصال بى وأدخلونى على الهواء ولحظتها شعرت أننى طفل قد وجد أمه أو أباه بعد ساعات من الخوف والوحدة، فصرخت كما لم أصرخ من قبل وفقدت تماسكى الذى كنت أدعيه أمام الجميع لشعورى أن صوتى سيصل لمن يستطيع إغاثتى، تحدثت من قلبى وأذكر أننى كنت أرتعش ودموعى تتساقط وضربات قلبى تنبض فى سرعة غير مسبوقة..

قلت كل ما كنت أشعر به فى لحظتها ووصفت من روعونا وسلبوا وسرقوا وحطموا وخربوا بالحثالة، مؤكدا أنهم ليسوا على علاقة قريبة أو بعيدة بمن قاموا بثورة 25 يناير وكفاية أو حتى الإخوان وغيرهم من الأحزاب (هذا مثبوت وموجود على موقع اليوتيوب لمن يريد التأكد)، وسألت: أين البرادعى وإبراهيم عيسى وباقى رموز الثوار الذين شاهدناهم بالتلفاز بمظاهرات صباح هذا اليوم وأصبح لا أثر لهم الآن على الشاشات؟ وسألت: أين الشرطة؟ محذرا من خطورة ما يحدث، وطلبت من كل متظاهر أن يهدأ لأن الأمر قد انفلت خاصة أن لحظتها كان الرئيس مبارك قد أقال الوزارة.

كل ما سبق ليس به عيب كى أجد كم البذاءات والسب فى شخصى فى تعليقات الفيديو الخاص بالمكالمة على موقع اليوتيوب، ربما كان خطئى الوحيد فى هذه المكالمة أنه أثناء انفعالى وبشكل لا إرادى ونظرًا للظروف السالف شرحها وللضغط النفسى والعصبى قد قلت لفظا خارجا لم أعن به أحدا بعينه (وإن كان يجب على أن أعتذر للجميع ممن كانوا يستمعون لى وأولهم الإعلامية منى الشاذلى- وأكررها لم أكن أقصد أحدا بعينه)، إلا أن هذا اللفظ أيضا لا يستوجب أن يرسل لى خطابات تهديد بالقتل! أو سب بالأم والأب والعرض على صفحات النت المختلفة، هذا فضلا عن وضعى فى قائمة سوداء مع بعض الزملاء الفنانين!

يا سادة أريد أن أوضح موقفى الذى كتبته فى عامودى بجريدة الأهرام المسائى يوم الأحد 6 فبراير 2011 قبل تنحى الرئيس وأعربت فيه عن سعادتى بمكاسب الثورة، وشكرت من خلاله شباب 25 يناير وحذرت فيه من الذين يريدون استخدام الثورة لمصالحهم الشخصية والركوب على أكتاب الشباب وحذرت من نوايا بعض القوى الخارجية وبالأخص أمريكا وإيران، ورفضت فيه الإساءة لشخص الرئيس مبارك الذى ظل يحكمنا لمدة 30 عاما، وأيدت أن يرحل الرئيس بعد انتهاء مدته الشرعية والدستورية بأكتوبر المقبل، كما أننى قمت بمداخلة تليفونية يوم تنحى الرئيس على قناة النيل للأخبار وأكدت على النقاط السالف ذكرها ولم أغير موقفى مثل كثيرين كانوا يمتدحون النظام حتى الثمالة وبعد تنحى الرئيس سبوه أيضا حتى الثمالة وغيروا مواقفهم ومبدئهم فى لحظة! يا للعار.

يا سادة لست أنا الرجل الذى يغير من كلامه ومواقفه ولست أنا الذى يخطئ ولا يتقدم بالاعتذار ولست أنا من يبرر خطأه (والدلائل متوافرة للجميع على صفحات النت) ولست أنا من يزايد أو يقفز من السفينة مثلما فعل أيضًا الكثيرون، ولست أنا من يغير من جلده مثلهم ولست أنا الذى يركب فوق مجد الآخرين، لقد كان موقفى واضحا وضوح الشمس، حيث لم أرفض الثورة على الفساد وعلى التوريث والدستور والانتخابات المزورة وعلى مكاسب كثيرة حققها غيرى، إلا أننى سأستفيد منها مثلهم، ولكننى كنت ضد رحيل الرئيس بهذه الطريقة فى تلك الفترة الحرجة التى يمر بها البلد حتى لا تسود الفوضى والثورة على كل كبير، وكان رأيى الانتظار لأشهر قليلة حتى تنتقل السلطة سلميا، كما أننى كنت وما زلت ضد إهانة الرئيس.

لقد حدث ما حدث ورحل من رحل وبقى الوطن الذى يجب جميعا أن نتكاتف من أجل خروجه من محنته.. وأخيرًا تحيا مصر.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة