تكلمنا فى كل شىء.. الدستور والانتخابات القادمة وتداول السلطة، وشكل الرئاسة القادمة. نجحت الثورة فى إسقاط النظام، لكن المتحدثين باسم الشعب متعددون عاجزون عن إقامة حوار، الكل يتحدث بيقين تام، لا أحد يريد الاستماع للآخر. ودون أن يعلن أنه يقول رأيا شخصيا.
الكل يتحدث ولا أحد يسمع.. وسط الزحام هناك تجاهل لبعض التفاصيل الصغيرة يراها البعض هامشية وغير مهمة. ومن بينها رغبة الناس فى الشعور بالأمان.
لقد انتهت براءة الثورة وبدأت مرحلة تحتاج الحوار حول الكثير من التفاصيل التى تبدأ من تنظيف الشوارع وحقوق الزبالين، وحتى مناهج الدراسة بالمدارس والجامعات.
لكن ما نراه أن كل طرف يرفض الآخر، وكل متحدث يلغى سابقه، والطرف الوحيد الذى لم يجد أحدا يتحدث باسمه هو الشعب. مع أن الكل ينطق باسم الشعب. من حق المواطنين الذين يشعرون بالخوف دون أن يشعروا بالخجل، ويجدوا من يطمئنهم ويقول لهم إن ما يجرى من صعوبات سوف يسفر عن أشياء جيدة.
الذين يواصلون الهجوم على الشرطة لا يعرفون أن أيا من الثوار ليس هو الذى يصطدم بالشرطة وأن بعض البلطجية واللصوص يريدون استمرار غياب الشرطة من الشارع. جهاز الأمن دفع ثمن خطايا نظام مبارك ووزير داخليته حبيب العادلى الذين وظفوه لحماية التوريث، لكن رفض شرطة العادلى لا يمنع من السعى لإعادة الشرطة للشارع وبناء الأقسام التى احترقت، وأن تكون الشرطة جهازاً وطنيا يعرف حقوق المواطن وواجباته دون أن يواجهه المواطن بالاحتقار أو الرفض. نحتاج أن يكون الأمن حاسما، وفى نفس الوقت يحترم المواطن. وأن ينتهى رعب المواطن من دخول القسم والمركز. دون أن يكون معنى ذلك الاستهانة برجل البوليس.
هل يوجد الآن بين من يديرون حوارات حول المستقبل من يفكر فى عشرة ملايين مواطن يعيشون تحت خطوط الفقر، بلا ضمانات اجتماعية أو سياسية، من يضمن أنهم لن يخرجوا عن الصمت ليبحثوا عن طريقة للحصول على الرزق. وأكثرهم عاطلون ومرضى ومحبطون من سنوات ظلوا فيها مهمشين لا يجدون من يتحدث باسمهم أو يهتز لأحوالهم.
كان نظام مبارك يتحدث عن شعب آخر غير الشعب الذى فى العشوائيات والمقابر، وعن شعب العمال والفلاحين والموظفين والأطباء والعاطلين. وما زلنا نرى من بين من يتصدون للحديث عن المستقبل المشرق من يتجاهل هؤلاء، أو يسخر من لهفتهم على الغد وتعجلهم رؤية المستقبل.
هل يملك أحد الشجاعة بالقول إن الدستور وحده لن يعنى أن تكون الحياة أفضل، لكنه مقدمة لنختار من نفوضه لإدارة البلد، وكيف؟ وعلينا الانتظار سنوات لتستقر الأحوال بعد نظام جمد الحياة طوال ربع قرن، ونهب ثروات البلد.
عشرة ملايين فى العشوائيات ومليونان فى المقابر وخمسة ملايين عاطل فى مصر مازالوا ينتظرون نظاما يقدم لهم ضوء فى نهاية نفق طويل، ويحتاجون من يخبرهم أن مجرد تعديل الدستور لن يكون علاجاً لآلامهم، وأن الأمر يحتاج بطولة أخرى تضعهم على بداية الطريق فقط.
ربما نحن نحتاج لمن يتحدثون باسم الشعب أن يعطوا أنفسهم فرصة لمعرفة الشعب الذى يتحدثون باسمه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة