ثمانية أيام عشناها كما لو كانت ثمانية قرون، أحداث كثيرة جعلت الدقائق تبدو كما لو كانت ساعات والساعات أيام والأيام شهور، ثمانية أيام تذوقنا فيها طعم الفرح، ونشوة الانتصار، وكآبة الخذلان، ومرارة الدموع، وأجواء البهجة، وجرعات الانكسار، ثمانية أيام لا غير، لكنها أثقلتنا بخبرات لم نكن لنحصل عليها فى أعمار طويلة، أسسنا فيها دولتنا النظيفة التى لا تخاف ولا تحزن ولا تسىء إلى أحد، عشرات الآلاف يجمعهم حب بلدهم، ملايين يتفقون على كلمة واحدة هالنا ما رأينا، وصدقنا سيد درويش وهو يقول: قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك، فلبيبنا النداء، عشنا سويا كل أطياف الشعب المصرى، سلفيين ويساريين، ليبرالييون وإخوان، أطفال وشيوخ، رجال ونساء، لم تحدث حالة سرقة واحدة، لم تفزع أنثى لأن متحرشا اعتدى عليها، لم يمسسنا الخوف إلا حينما كنا نخرج من ميدان التحرير، أحلامنا امتدت وتوسعت حتى حسبناها حقيقة، حاربنا جهاز شرطة من أقسى وأعنف أجهزة الشرطة فى العالم، هرعنا متكاتفين لنحمى المتحف المصرى من أيادى العابثين، ووقفنا لننظم المرور ونعيد الأمن الذى سلبه من كنا نحسبهم رجالا للأمن، وفى التحرير كانت جمهوريتنا الفاضلة تنمو وتزدهر لنحقق فى أقل من أسبوع أكثر مما تحقق فى ثلاثين عاما، فى التحرير كانت مصر التى أحبها، وفى التحرير كانت مصر تحتضر وتولد من جديد.
كان حائط الظلم ضخما ومتينا لكننا كسرناه وزلزلناه، كان حائط الخوف أكثر ضخامة وأعظم شأنا، لكننا أخرجنا المصرى من قمقمه، وأصبح ماردا يمتطى الشوارع فتفسح له، كنا نحمل حناجرنا فقط ونحارب بها أمريكا وإسرائيل ومستبدى مصر، منذ الثلاثاء الأبيض 25 يناير قضينا على شبح التوريث وإعادة مصر إلى عهود الملكية الاستبداد المستديم، وفى الجمعة قضينا على أسطورة حبيب العادلى ومقولة إن شعب مصر محكوم بالحديد والنار، ليتجلى المصريون فى أروع صورهم، حتى بعد أن أخرج العادلى زبانيته وبلطجيته ليلوثوا ثوب الثورة الطاهر، لكن مصر أثبتت أنها أكبر من وزير داخلية فاشى ونظام متبلد لا يرحم، واستطعنا بعد أكثر من عشر ساعات من المطاردات أن نحافظ على تراث الإنسانية ونحمى المتحف المصرى من اللصوص الذين أرادوا تكسير آثارنا ونهبها، لكن قوات الجيش أجهضت مرادهم وكما رأى العشرات من الذين حافظوا على المتحف اتضح أن أغلب الحرامية من عسكر حبيب العادلي، وتوالت الأصنام فى السقوط تحت هتافات الثوار الشرفاء، سقط أحمد عز، وسقط وزراء رجال الأعمال الذين كانوا ينهبون البلد، وسقطت أسطورة أن مبارك سيحكمنا حتى آخر نبضة فى قلبه، كل الأصنام تهاوت تحت صرخاتكم أيها الشرفاء، فلا تحزنوا فمصر التى تحبونها هى هى، لكننا بكل فخر لم نتعلم القذارة لنجارى البلطجية فى بلطجتهم، ولم نتحصن بملايين رجال الأعمال التى دفعوها لمهاجميكم ليجهضوا حلمكم النبيل لم تساندكم عسكر فى ثوب وقلب حرامية بقنابل المولوتوف والمواد الحارقة، ويكفيكم فخرا أن طوال اعتصامكم العظيم لم يتعرض أحد لأذى، ولم يمسس أحد متحفنا العظيم بسوء، لكن الشر أتى اليوم بسوء نية وخبث طوية ليحاول زعزعة حلمنا بوطن آمن عادل شريف، ولا أظن أنهم سينجحون فى مرادهم فمصر أكبر والله أكبر.