◄◄هل يخاف الغرب على دمائنا وتهون على أشقائنا العرب ؟
أثناء ثورة تونس، كنتُ أنظر حولى لأترقَّب ردّةَ فعل زعماء العرب حيال ما يحدث هناك من ثورة شعب أصرّ على الحياة، ودماء شهداء ظلت تُراق على مدى ثمانية وعشرين يومًا، قبل أن يفرّ الرئيسُ، غير المرغوب فيه، إلى السعودية، تاركًا بلاده تستعيد، على مهلٍ، خضارها الذى ظلَّ حاكمُها يستنزفه عقودًا. ثم سرتِ النارُ حثيثةً فى فتيل الغضب الهادر من تونس إلى مصر، إلى اليمن، فالبحرين، فالأردن، فالسعودية، ثم إلى ليبيا، ومازال الخيطُ يجرى بناره الغاضبة من بلدٍ عربى إلى بلد عربى، حتى، بإذن الله، تتطهّر تلك البقعةُ المثقلَة بمشاكلها وطغاتها ولا ديمقراطيتها، والمغبونة بدساتيرها العنصرية العجيبة، التى تُفصّل تفصيلا لكى «يتأبَّد» الحاكمُ على قلب محكوميه؛ حتى يوافيه الأجلُ، أو يوافيهم.
استقرتِ النارُ بعض الوقت فى مصرَ الطيبة، حتى أجهزت على رأس العلّة فى ثمانية عشر يومًا، ومازال التطهيرُ جاريًا فى دُرّة الشرق، حتى تستعيد صفاءً يليق بها. وتعثّر خيطُ النار بعض الوقت فى اليمن والبحرين والأردن، لكنه لم ينطفئ بعد، ولن ينطفئَ بإذن الله حتى يؤتى ثمارَه. لكنه أُطفئ بحسم، وديست جذوتُه فى سورية، لأن خيطَ النار كان واهيًا، ومُطفئوه قابضين على زناد الماء بقوة، لكن رجاءنا فى الله لا ينطفئ. أما فى ليبيا فقد تحوّل خيطُ النار بركانًا هادرًا، أوشك بإذن الله، أن يأتى على هيكل الجبروت والجنون الذى سجّلته عيونُ العالم وهى مفتوحة على اتساعها دهشةً وعجبًا. ولم أتوقف يومًا، منذ بداية هذا العام التطهّرى العجيب 2011، عن مراقبة الحكّام العرب تحديدًا. سمعتُ دقاتِ قلوبهم تنتفضُ هلعًا، فى الليل سرًّا تحت الأغطية الكثيفة. لكن فى النهار، كان المُعلَن يكتبه عرّابوهم، مثل رجال الحزب الوطنى عندنا وكتّاب الصحف القومية من أهل الثقة والحظوة: «مصرُ ليست مثل تونس.» «ما يحدث هناك لن يحدث هنا.» وانطلق رجال الدين (من الجانبين) يحذرون من المشاركة فى الثورة، بل ويحرّمونها(!) بوصفها «انشقاقًا على الحاكم« على عكس ما يريد الله ويرضى! لأن الانتفاضات رجسٌ من عمل الشيطان وشَقٌ لعصا الطاعة الواجبة منّا، نحن الرعية، نحو أولى الأمر منّا، من الحكّام ممن تتوجب طاعتهم. وأدرتُ بصرى أتفحّصُ وجوه الزعماء العرب. لم أسمع من أحدهم لومًا لصاحبه الحاكم الواقع فى آلة التطهير: أنْ ارحلْ ودعْ شعبَك يحيا!« أبدًا لم يقلها زعيم عربى واحد. لم يفكر رئيسُنا السابق مبارك، وهو مستقرٌّ على كرسيه، ولا فكر زملاؤه الرؤساء العرب، أن يعاتبوا «زين العابدين بن على» على تمسكه العبثى بالكرسى، بينما دمُ شعبه ينزف. بالضبط مثلما لم يحثّ أحدُ زعماء العرب رئيسَنا أن يرحل طوال ثمانية عشر يومًا، سقط خلالها 400 شهيد مصرى وآلافٌ فقئَت عيونهم برصاص القناصة. تمامًا كما يحدث الآن، يلتزم الحكامُ العرب الصمتَ المريبَ حيال طاغية ليبيا وهو يقصفُ شعبَه الأعزلَ بالطائرات والمدرعات الثقيلة! لكن شيوخَنا الأجلاّء خرجوا ينددون بما يفعله القذافى فى شعبه، بل وأهدر بعضهم دمَه جهارًا! هم ذاتهم من حضّونا على عدم التظاهر ضد مبارك، ملوّحين لنا بعذاب النار، ولم يهدروا دمَ مبارك ولا حبيب العادلى على تقتيلهم أبناءنا!
أعلم صعوبةَ موقف الحكام العرب, وأقدّر ارتجافَ قلوبهم هلعًا؛ لأن الساعةَ أوشكت على عروشهم أن تُقضُّ عما قريب. لكننى لا أملك نفسى من الحَزَن والقنوط من فكرة العروبة والقومية فى مجملها؛ حين أرى بجلاء أن كل التحذيرات لرؤسائنا، بأن يرحلوا نزولاً على رغبات شعوبهم، وحقنًا لدمائهم، كانت، وستظلّ، تأتى، للأسف، من الغَرب «الغُرباء»، لا من أهلنا أبناء العروبة والعمومة والخؤولة والقومية و«الوطن الواحد بالمصير الواحد من المحيط إلى الخليج»! فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وعديد من دول أوروبا، عطفًا على أمريكا، جميعها حثّت مبارك على الرحيل وهددت باتخاذ اللازم حال التباطؤ. وصمت العربُ! أتساءل: هل يخافُ الغربُ «الكافر» على دماء شعوبنا، فيما يهون دمُنا ويرخص على أشقائنا أبناء العروبة والإسلام؟ هل عليّ أن أذكّرَ الحكامَ العرب بما قاله سلفُهم الصالحُ الملك فيصل أثناء حرب 73؟ حينما قطع البترول عن الدول الداعمة إسرائيل قائلا: «النفطُ العربيُّ ليس أغلى من الدم العربى!» فهل أتى على العرب حينٌ من الدهر، يصبح فيه «الكرسى العربى الحاكم»، أغلى من الدم العربى المُراق؟ بالأمس أرسلت إسبانيا طائراتها لنقل المصريين من ليبيا إلى مصر.
وأسأل نفسى: لماذا هى طائراتٌ إسبانيّة؟! لماذا ليست هى طائراتٍ عربية؟ أعرف أنكم تعرفون مثلما أعرفُ الإجابةَ الحزينة المخجلة. لذلك أسألكم: أمازال منكم من يحدّثنى عن وهمٍ أغرقنا فيه الرئيسُ جمال عبد الناصر اسمه: القومية العربية؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة