أعترف أننى تأثرت بل وانخدعت مثل كثيرين غيرى حينما استمعنا لخطاب الرئيس السابق حسنى مبارك بعد ثورة 25 يناير الذى أعلن فيه عن إقالة الحكومة وعدم ترشحه للرئاسة، واختتمه بعبارات أثارت مشاعر الكثيرين، حين أشار إلى أنه لن يغادر مصر، لأنها وطنه الذى عاش فيه وحارب من أجله وسيموت على أرضه.
هذه المشاعر التى جعلت الكثيرين لم يدركوا وقت سماعهم للخطاب مغزى إحدى العبارات الهامة التى ذكرها مبارك فى قوله: "إن علينا الاختيار ما بين الاستقرار أو الفوضى"، ليبدأ الشروع فى تنفيذ مخطط الفوضى فى اليوم التالى للخطاب بفتح السجون وإطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين وعمليات السطو والحرق والنهب والبلطجة المنظمة, هنا أدرك الكثيرون ممن تأثروا بخطاب مبارك أنهم انخدعوا، وهنا فقط أدركوا مغزى عبارة الاختيار بين الفوضى والاستقرار التى كانت بمثابة كلمة السر لانطلاق فلول البلطجة والترويع, وبعد إعلان قرار التنحى ومع الفرحة الغامرة بانتصار الثورة لم يتخلَ الكثيرون عن مشاعرهم البريئة بالشفقة على مبارك حتى وإن لم يعفِه من المسئولية عن الفساد والقهر والظلم ودماء الشهداء، وذلك حين تواترت الأنباء عن الحالة الصحية لمبارك ودخوله فى غيبوبة واشتداد حدة المرض عليه نتيجة حالة الاكتئاب والحزن، وقد يكون هذا الإحساس الساذج الذى أصاب الكثيرين، وأنا منهم اعتقادا بأن ما أصاب الرئيس السابق نتج عن إحساسه بالندم، حيث لا ينفع الندم أو لأنه أدرك أن كل من حوله وحتى أقرب المقربين إليه خدعوه لتنتهى حياته بالسقوط فى الهاوية، ولينتهى تاريخه بهذه النهاية غير المشرفة، لكننى أدرك الآن أن الأمر أكبر بكثير من تلك المشاعر الساذجة، وأن هناك مخططا واضح المعالم لإشاعة الفوضى يقوم بتنفيذه تنظيم سرى نما وترعرع واستوحش، وتدرب فى كنف نظام مبارك يقوده جهاز أمن الدولة وبعض أعضاء الحزب الوطنى وعدد من المسئولين والوزراء الذين لم يتم القبض عليهم حتى الآن بنفس الأساليب الرخيصة التى كانت تتم فى تزوير الانتخابات وتلفيق التهم وإثارة الفتنة الطائفية حتى وإن وصل الأمر إلى تفجير الكنائس وهدمها وإطلاق الشائعات، ونشر الوثائق القذرة التى أعدها هذا الجهاز نتيجة للتجسس على الحياة الشخصية للمواطنين سواء كانوا مشاهير أو غير ذلك أو تلفيق العديد منها، ليكون فى يد هذا الجهاز "زلة لكل مواطن"، يتم استخدامها وقت اللزوم وليكون المواطن دائما مكسور العين أمام طغيان وقهر النظام البائد, وهى الوثائق التى تركها مسئولو وضباط جهاز أمن الدولة عن عمد فى مقاره لاستخدامها فى السيناريو الثانى للفوضى الذى حدث بعد إعلان إقالة حكومة شفيق وتكليف د.عصام شرف بتشكيل حكومة جديدة رغم الحرص على التخلص من الوثائق التى تدين الجهاز وتدين الكثير من عناصر النظام السابق، كما أشار ضباط الجهاز الذين تم القبض عليهم بأنه صدرت لهم أوامر من قياداتهم بالتخلص من مستندات ووثائق بعينها تخص عدداً من رموز النظام السابق مثل زكريا عزمى وعاطف عبيد وحسين سالم وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة حول مسئولية اللواء محمود وجدى وزير الداخلية فى حكومة الفريق أحمد شفيق، ويؤكد ضرورة مساءلته والتحقيق معه هو وقيادات مباحث أمن الدولة إن لم يكن يشير بالمسئولية إلى الفريق شفيق نفسه عما حدث.
ومما يؤكد على أن هناك تنظيما سريا ينفذ مخططا مرسوما بدقة توقيت السيناريو الثانى للفوضى، فبينما بدأت أحداث السيناريو الأول بمجرد إعلان مبارك عن إقالة حكومة نظيف فتصدر الأوامر بانسحاب الشرطة وفتح السجون وإطلاق البلطجية، كذلك بدأت أحداث السيناريو الثانى بمجرد الإعلان عن إقالة حكومة شفيق وتكليف د عصام شرف بتشكيل حكومة جديدة, فمن أى جهة تلقت قيادات جهاز أمن الدولة الأوامر بإحراق الملفات وفرمها وفتح المقار وتسريب وثائق بعينها، وما تلا ذلك من أحداث الفتنة الطائفية فى أطفيح ومنطقة المقطم والسيدة عائشة وطريق الأوتوستراد التى أكاد أجزم بأن هناك أياد تعمدت إشعالها فى هذا التوقيت.
كل هذه الأحداث تؤكد أن هناك تنظيما سريا يعمل فى الخفاء لإحراق مصر وإشاعة الفوضى وإن لم يكن بمقدورنا أن نجزم بأن وراءه الرئيس السابق مبارك ، فإننا نستطيع أن نؤكد أن هذا التنظيم يديره أقطاب نظامه الذين ارتبطوا معا فى سلسلة متصلة من الفساد والإفساد لم تنقطع بمجرد إلقاء القبض على بعض رموزه، ومنهم حبيب العادلى الذى لا يزال بعض ضباط الداخلية يدينون له بالولاء وأدى بعضهم التحية العسكرية له وهو يدخل قفص الاتهام, ومن الواضح أن هذا التنظيم لا يزال يعمل بنفس التخطيط والشراسة والانحطاط ولن يتوقف إلا بالضرب بيد من حديد على فلول هذا التشكيل العصابى الذى حكم مصر الذى لا يزال عدد من أقطابه مطلقى السراح يستخدمون تشكيلا منظما من البلطجية قوامه أربعمائة ألف مسجل خطر وبلطجى، كما أشارت إحدى الوثائق التى تم العثور عليها فى مقر أمن الدولة بمدينة نصر, وإن كان الدكتور عصام شرف يدرك تماما وجود هذا التنظيم وخطورته وإن كان بالفعل قد بدأ عمله باتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة هذا التنظيم بتغليظ العقوبات فى جرائم البلطجة وإثارة الفوضى والفتن لتصل إلى الإعدام, إلا أنه لن يتم القضاء على هذا التنظيم إلا بالقبض على عناصر أساسية من رموز النظام السابق وحزبه وجهازه الأمنى الذين أفسدوا الحياة السياسية ولا يزالون مطلقى السراح يحاولون إخفاء جرائمهم بجرائم أكبر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة