فى الوقت الذى ظن فيه الكثيرون أن النظام السابق ورموزه انتهت إلى الأبد وسقطت الورقة الأخيرة باقتحام مقرات أمن الدولة، وعاش كل مواطن مع قصته التى ألفها له ضباط أمن الدولة، تفاجأ الجميع بظهور الدكتور زكريا عزمى يعلن على الملأ أنه يدير شئون الرئاسة فى مصر، بل زاد خلال حواره مع الإعلامى جمال عنايت أنه يعمل بتكليف من المجلس العسكرى، وأنه يسير شئون الديوان ولن يتركه حتى يسلمه لمدير آخر وكأن البلد جفت من الرجال أو الإداريين إلا من بقايا النظام البائد.
السؤال الذى يبحث عن إجابة لماذا الإصرار على ترك بقايا النظام السابق يمارسون أعمالهم ويشوهون الصورة الجميلة للثورة ويعيثون فى البلاد الفساد، ويشعلون نار الفتنة، ويمنحون الفرصة للبلطجية لممارسة مهامهم فى إرهاب المواطنين؟. وماذا ينتظر الشعب من شخص متهم فى العديد من القضايا والاستيلاء على المال العام وأحد مهندسى صناعة الفشل السياسى والاقتصادى على مدار 30 عاماً، والرجل الأكثر تأثيرا وتأثرا بالرئيس السابق حسنى مبارك يعمل بشكل علنى غير عابئ بأى شىء، وكأنه لا علاقة له بالنظام السابق أو لا يوجد عليه أى ملاحظات ولا اتهامات؟. إن وجود زكريا عزمى فى إدارة شئون الرئاسة حتى لو كان بريئا من كل التهم يدفعنا للتساؤل عن السر فى الإبقاء عليه وخاصة أنه رجل سياسى وليس موظفا إداريا.
إن غض الطرف عن بعض الشخصيات التى كانت تصنع السياسات فى عهد مبارك بالرغم من سيل الاتهامات الموجهة لهم مثل زكريا عزمى وفتحى سرور وغيرهم، يؤكد أن بعض الأمور ما زالت بأيديهم، وربما يجهزون لاختيار شخص تابع للنظام البائد وترشيحه لرئاسة الجمهورية، وفى حاله نجاحه فإن نتائج الثورة لن تكون أكثر من مجرد تغيير فى الأشكال.
إذا كان مجلس الوزراء أكد على وجود ثورة مضادة وأعلن الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، أن هناك جماعات منظمة تسعى لتخريب البلاد ونشر الفوضى والفساد، وإذا كان المسئولون الآن يعرفون هذه الجماعات سواء كانوا من بقايا أمن الدولة أو الحزب الوطنى أو بعض المحافظين وغيرهم من ضعاف النفوس الذين يريدون أن يهدموا المعبد على الجميع، فلم الإصرار على بقاء هذه المجموعات تعمل بهذه الصورة؟، ولماذا يصر بعض أفراد الشرطة على المرواغة والمماطلة فى العودة لنشاطهم وممارسة أعمالهم رغم مناشدة الشعب لهم وسيل المكافآت التى منحها لهم الوزير السابق عندما رفع الرواتب بنسبة 150% وغيرها من الحوافز الأخرى؟. نحن نتمنى لهم المزيد حتى لا يكون لديهم أى حجة للبطش بالمواطنين وفتح الأدراج لاستقبال الرشاوى، لكن إصرارهم على عدم العمل وترك بعض الشخصيات وثيقة الصلة والمعروفة بولائها الكامل للنظام السابق دون محاسبة يدعو للقلق ويعزز من استمرار الفوضى ويشعل نار الفتنة.
إن مصر تعيش هذه الأيام اختبارا صعبا فى ظل محاولات بقايا النظام السابق استغلال المخاض العسير للثورة ووأد أى مولود جديد لها، ولكن التارخ يؤكد أن مصر قادرة على النجاح فى هذا الاختبار بما تملكه من إرادة فى العيش المشترك، ولكن المجلس العسكرى ومجلس الوزراء مطالبون بكشف القناع على كل بقايا النظام السابق التى سقط الكثير منها عندما رفع الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء السابق، ومحمود وجدى، وزير الداخلية السابق أيدهما عنه، وخاصة أمن الدولة الذى شعر بأن الحكومة الجديدة لن تحميه ولن تكون فى حاجة إليه فقرر إنهاء مسلسله بحرق وفرم منتجاته، ولكن الغريب فى الأمر أن كل منتجاته التى تركها للجمهور لم تحمل أى ذكر لرجال النظام السابق وكأنهم كانوا ملائكة، بينما كان الشعب من الشيطايين الذى يعيثون الفساد فى الأرض، ويجب رصد تحركاتهم حتى داخل غرف نومهم.
إن الحكومة يجب أن تبحث عن حلول يمكن من خلالها معالجة النقص العددى وتمرد الشرطة وحالة الخوف من الشعب التى تحولت إلى دلع ودلال ومحاولة لفرض نظام العبيد والاسياد، كما حاول مدير أمن البحيرة السابق الذى تطاول على الشعب المصرى وكأنه لم يسمع عن الثورة وما زال يعيش فى جلباب آبائه مبارك والعادلى عندما قال: "إللى تتمد إيده على أسياده ينضرب بالجزم ورد ضابط آخر تنقطع".
حيث يمكن لرئيس الوزراء أن يستدعى خريجى الجامعات الذين أنهوا الخدمة العسكرية مؤخراً "الاحتياط" وخاصة خريجى كليات الحقوق والآداب والشريعة والقانون، وعمل عقود لهم لتولى مهام العمل فى الشرطة مع منحهم دورات تدريبية، ومن ينجح يستمر فى العمل بعد عام من الاختبار ومن يفشل لا يتم تجديد العقد له. إن الاستعانة بهذه المجموعات المؤهلة والمدربة والمنضبطة بحكم تدريباتها العسكرية سوف يحل أزمة الأمن والبطالة معاً. كما أن هؤلاء الشباب سيحرصون على أداء مهم بشكل متميز باعتبارهم أبناء الثورة وسعاه التغيير والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
إن مثل هذه الخطوة يمكن أن تعيد الحياة إلى طبيعتها والمحافظة على صورة الشعب المصرى الرائعة التى أبهرت العالم، وتقضى على فلول أمن الدولة وبقايا النظام السابق التى تسعى الآن للعب بورقة الفتنة الطائفية بعد أن سقطت كل الاوراق الأخرى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة