كنا نتصور أن وصف «القلة المندسة» سوف يختفى من أدبيات السياسة المصرية بعد ثورة 25 يناير التى قامت من أجل الحرية والعدالة والمساواة، لكننا عدنا إليه بأسرع مما كنا نتصور، وأصبح وصفا دارجا يستخدمه بعض أنصار الثورة لوصف المختلفين معهم، بل أحيانا لوصف بعضهم.
خلال أى ندوة أو جلسة للمناقشة يبدأ الحوار متوترا وساخنا، تتصاعد الأصوات، وبسرعة تشرع الاتهامات بين الأطراف، يتوقف الحوار وتستمر الاتهامات. ومثل وصف «القلة المندسة» هناك «الثورة المضادة» الذى أصبح يطلق بسهولة، ومن الصعب التفرقة بين من يقوله لوصف حقيقة أو لمجرد الحديث.
ربما نقدر مخاوف رئيس الوزراء عصام شرف من ثورة مضادة تعمل بجد لإجهاض ما يجرى، لأنه اطلع فى أيامه الأولى على المشهد، وتلقى معلومات، لكن علينا أن ننتبه إلى أن من يشنون ثورة مضادة لن يخرجوا فى ملابس مكتوب عليها «ثورة مضادة»، لكنهم يفعلون ذلك بخطط، ومعروف أن الثورة المضادة تولد من الثورة نفسها، ومن داخلها.
ومواجهة الثورة المضادة لا تكون بمزيد من الاتهامات التى تحقق الثورة المضادة، لكن بالقدرة على تجاوز خططها بمزيد من التوحد والقدرة على الجمع وليس التفريق.
لقد سمعنا وقرأنا وصف «القلة المندسة» عشرات المرات خلال الأسبوع الفائت، فى نقابة الصحفيين، وفى ساقية الصاوى، وفى الشارع وميدان التحرير، وعلى صفحات الفيس بوك. عمرو موسى المرشح للرئاسة فى لقائه بجمهور ساقية الصاوى بدأ ممتعضا من أسئلة الشباب، واعتراضاتهم، ووجهات نظرهم، وسارع بإعلان امتعاضه، وبدا كأنه يتهم من يسألونه بأنهم «مزقوقين» لتبويظ اللقاء، مع أن الأسئلة مشروعة، وحتى الاتهامات مشروعة فى مواجهة مواطن يطرح نفسه للاقتراع وللجمهور، أو لأى عمل عام.
ومثل «موسى» هناك أنصار الدكتور البرادعى، والذين اعتبروا من يرفضونه زعيما للثورة من «القلة المندسة»، أو مدفوعا من أجهزة وفلول النظام السابق لإفساد اللقاء بنقابة الصحفيين. ونتصور أننا غادرنا حالة التوتر والشد لنفكر فى المستقبل، وليس أفضل من الحوار طريقا لكسب مؤيدين. ثورة يناير بالطبع كانت الأضخم فى تاريخ مصر، لكن من يرد بناء المستقبل يفترض أن يبحث عن مؤيدين للفكرة، أن تكون مصر دولة عدالة وحرية ومساواة، هذا هو الهدف، أو مايسمى الاستراتيجية، لكن واضح أن كثيرين «ألهاهم» التكتيك، والبعض لم يخف مشاعره فى الحصول على مقعد فى صدارة المشهد، بأى ثمن، حتى لو كان المشهد لايزال ناقصا.
وطبيعى أن أى ثورة تختلف فى الشكل والمضمون عندما تتجه نحو السلطة، تظهر الانقسامات، وتتضح الأهداف والنوايا، وسوف تتفرق جموع التحرير إلى سلطة ومؤيدين ومعارضين، وهى طبيعة الأمور، لكن الخطأ ربما يبدأ من استسهال الاتهامات، والخلط بين معارض يحتفظ بحقه فى النقد وآخر معاد. طبيعى فى أى سباق سياسى أو انتخابى أن يكون هناك مؤيدون ومعارضون، واتهامات وردود، وحوارات هى التى تنتج الصورة، ومن حق الناخبين أن يسألوا وينتقدوا ويهاجموا، فهى قواعد اللعبة الديمقراطية، هذا إذا كنا نريد إقامة ديمقراطية، وحتى لاتعود لنا الديكتاتورية من الشباك بعد أن طردناها من الباب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة