انطلقت حالة من الخوف بين التيارات السياسية المختلفة من التيار الدينى عموما والإخوان على وجه الخصوص، الجماعة أعلنت موافقتها على التعديلات الدستورية، والتى يجرى الاستفتاء عليها يوم السبت. كثير من نخبة يناير وائتلافاته اعلنوا رفضهم لتلك التعديلات، التى بدت ترقيعا على دستور مهترئ، وطالبوا بدستور جديد، وأن تأخذ البلد وقتها لبناء تيارات يمكنها المنافسة فى الانتخابات.
كثير من جماعات التيار الدينى أعلنت عن الخروج للشارع السياسى، وتشكيل أحزاب أو انضمام إلى أحزاب، سلفيون وجماعة إسلامية وجهاد، وصوفيون، وشيعة، أعلنوا عن الخروج للشارع والمشاركة فى العمل السياسى.
خرج عبود الزمر زعيم الجهاد وأحد المخططين لاغتيال السادات، وكان يخطط لانقلاب قبل 30 عاما، خرج من السجن وأطلق عددا من التصريحات لم يبد فيها نادما على اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات، وكأن ما قيل عن مراجعات أو تغير فى الفكر لم يكن، لكن عبود الزمر بدا مختلفا حيث تحدث عن رفض الطائفية والعدوان على الكنائس، وأعلن عن المشاركة السياسية، وهو أمر يشير إلى تحول فى فكر كان لا يعرف إلا العنف طريقا، فهو الآن حامل لشهادات دكتوراه، ودراسات، وثقافة مختلفة، ومثله قيادات الجماعات.
نخبة كبيرة ترى أننا أصبحنا أمام زحف ظاهر للتيار الدينى، وإعلانات عن أحزاب سياسية ذات مرجعيات إسلامية، وهو شكل من الأحزاب يرى أنصار الدولة المدنية أنها زحف لأحزاب دينية.
الطبيعى أن يكون لكل التيارات منابرها السياسية التى تشارك من خلالها، والإخوان جزء مهم من التيارات السياسية، وإن كانت لم تظهر تغيرا أو انتقالا من الوضع السابق، وأى شخص ينادى بالديموقراطية وحرية التعبير عليه أن يعترف بحق الجميع فى الوجود والإعلان عن رأيه، حتى لو كان هذا الرأى مختلفا مع الآخرين، طالما التزم رفض العنف.
لكن الأهم هو أن نضمن إطارا دستوريا وقانونيا يمنع من استخدام العنف أو احتكار السلطة أو الانقلاب على الدولة المدنية، والدولة المدنية هنا ليست دولة كافرة، كما يردد أنصار التيار الدينى، لكنها دولة تضمن لكل مواطنيها حرية الاعتقاد والتعبير والعمل العلنى السياسى فى إطار سلمى.
هناك خوف آخر لدى بعض المسيحيين، وإن كانوا لايعلنوه تماما من أن يتم استبعادهم أو تهميشهم، بعد أن منحت ثورة 25 يناير دفعة روحية وأملا فى أن يغادر المسيحيون العزلة، وينضموا إلى قطار السياسة حتى لا تحرم مصر من أى قطاع من الشعب.
وبالرغم من أن المخاوف مشروعة، إلا أن التعبير عن هذه المخاوف يبدو أحيانا وكأنه يريد منع الإخوان أو التيار الدينى من العمل السياسى، كما أن الخائفين لا يقرأون التحولات التى جرت فى الفكر المصرى، خاصة ثورة يناير التى كانت قوية جدا فى التعبير عن الرغبة فى إقامة دولة عادلة، ومن الصعب على الثورة التى أطاحت بنظام متسلط بدا عصيا على التغيير، أن تتهاون وتسلم الدولة لفريق دون آخر.
أما جماعة الإخوان نفسها فإنها ولاشك قرأت الواقع وتعلم أن هناك توازنات داخلية وخارجية وإقليمية، يفترض على من يصل إلى الحكم أن يعرفها ويتعامل معها.
لقد كان موقف التيار الدينى بأنواعه من الاعتداء على كنيسة الشهيدين فى قرية صول بأطفيح متقدما بالنسبة لمواقف سابقة، حيث كان هناك اتجاه يستنكر ويرفض الاعتداء، وفى قراءة أخرى كان علامة على الرغبة فى الدخول للسياسة وكسب شعبية.
لكن الملاحظ أن الخائفين من تنظيم الإخوان، عاجزين على التوصل إلى حوار يجمع تيارات أو يبلور أحزاب، يمكنها المنافسة، ويبدو قطاع من المعارضين للتيار الدينى معترضا على استمرار مناورات وصفقات تعقدها الجماعة دوما فى منتصف الطرق، لكن هؤلاء يتجاهلون أنه إذا كان ميدان التحرير وحد الجميع، فالطبيعى أن يتفرق إلى تيارات وأحزاب سوف تتنافس وتختلف، والظاهر أن كثيرا ممن ينتقدون قدرة الإخوان على التنظيم، يفشلون فى تنظيم أنفسهم، ويعجزون عن تحديد استراتيجية يمكنهم بها المنافسة، المشكلة أن البعض ينشغل بأن ينهزم خصمه، ولا يفكر فى أن ينتصر، هذه هى المسألة.