منذ ست سنوات، و«أدباء وفنانون من أجل التغيير» فى الشارع، يرفعون شعارات التسامح، ويدافعون عن الدولة المدنية، ويرفضون التمديد والتوريث، ويدافعون عن حرية التعبير، والبحث العلمى، وحرية الاعتقاد، هم لا يريدون القيام بالأدوار التى يقوم بها السياسيون التقليديون، يحاولون التعبير عن أشواق الثقافة المصرية التى تعامل معها نظام مبارك ومعارضته باستعلاء، كانت حركة كفاية صاحبة الفضل فى انتزاع حق التظاهر، ورفع سقف المطالب السياسية، وشاركها «أدباء وفنانون» طموحاتها ومظاهراتها، وبعد التمديد لمبارك فى 2005 حدث ركود، وبدأت الخلافات تظهربين مؤسسى كفاية، ولم يعد مهما الحديث عن الدولة المدنية أو مصادرة ألف ليلة مثلا، لأن القائمين الجدد اقتربوا أكثر إلى رموز ومفاهيم الإسلام السياسى، باستثناء أحمد بهاء الدين شعبان، الوحيد تقريبا من ر عبد الله الحسينى موز الحركة الذى ظل مؤمنا بأهداف ونوايا الأدباء والفنانين، الذين حولوا ميدان سليمان باشا إلى مكان رمزى ترفع فيه صور طه حسين ونجيب محفوظ ونجيب الريحانى ويوسف شاهين وأم كلثوم ومصطفى إسماعيل وغيرهم، عندما يشعر الناس بأن وجه مصر الإبداعى يتوارى، ويحملون الشموع عندما تتعرض الوحدة الوطنية أو فلسطين ولبنان للخطر.
وكانت المظاهرة الأخيرة لها بعد حادث القديسين بالإسكندرية، تعبيرا عن مدى إحساسها بالمسئولية، وبعد ان احتلت المطالب الفئوية المشروعة المشهد، وتوارت الشعارات العظيمة التى رفعت فى 2005، تم قمع مظاهرة الشموع هذه أكثر من أى مرة، رغم أنها كانت تطالب بمواساة الأقباط، والوقوف إلى جوارهم فى مصابهم ومصابنا الأليم، وبعد أقل من ثلاثة أسابيع قامت الثورة، وبقى «أدباء وفنانون» مع الآخرين فى ميدان التحرير، أنشأوا مسرحا داخله عامرا بالغناء والشعر والرسم، حتى لا يسرق آخرون الروح الجديدة، وتفقد الثورة العظيمة معناها المدنى، وتحولت دار ميريت إلى مكان يعبر عن أناس هدفهم خدمة الثوار الشباب، ولا يذهب أحد منهم إلى الميدان بصحبة الكاميرات لكى يحجز له مقعدا فى العهد الجديد، كان أدباء وفنانون يشعرون أنهم يجلسون فى صحبة طه حسين، وعلى عبدالرازق، ومختار، ومحمود سعيد، وصلاح أبوسيف، والقصبجى، وشهدى عطية، وسلامة موسى، ولويس عوض، ومحمد السيد سعيد، وأحمد عبدالله، وعبد الحكيم قاسم وغيرهم ممن كانوا ينتظرون هذا اليوم، ويحلمون بمصر المبدعة الفتية الديمقراطية المتسامحة، كانوا يعرفون أن معركتهم أكبر من فاروق حسنى وميليشياته، وأكبر من ذهاب شخص ومجىء آخر، هم لا يعتقدون أنهم يحتكرون الحديث باسم المثقفين، هم يفكرون معا بصوت عال، ويختلفون معا، من أبرز أسماء الجماعة أحمد فؤاد نجم، وبهاء طاهر، وصنع الله إبراهيم وتوفيق صالح، وعلى بدرخان، ومحمد البساطى، ومجدى أحمد على وعادل السيوى، ومحمد بدوى، وسحر الموجى، وخالد الصاوى، ومحمد هاشم، وشعبان يوسف، ومحمود قرنى، وغيرهم من الذين يحملون الهموم نفسها، التقى «أدباء وفنانون» السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية والمرشح المحتمل لرئاسة مصر، فى لقاء رتب له السفير سمير حسنى (صديق معظم أدباء وفنانين)، الجامعة من الداخل تنقلك بأثاثها وألوانها إلى الستينيات.
لم يذهب الأدباء والفنانون لمبايعة الرجل الذى يحظى بقبول شعبى كبير، لأنهم يعتقدون أو يعتقد عدد منهم أنه جزء من نظام مبارك، وفى بداية اللقاء قيل له هذا، فقال «كنت وزيرا لخارجية مصر ولست وزير خارجية مبارك«، ذهب الجميع وهم متفقون على أن التعديلات الدستورية الأخيرة ما هى إلا التفاف على الثورة، وأنه لا بد من صياغة دستور جديد، مجدى أحمد على (مخرج سينمائى) قال فى البداية إننا طلبنا اللقاء، ليس لأننا من المؤيدين لك، جئنا لنتحدث معك وتستمع إلينا، ونريد أيضا أن نتحدث مع الدكتور البرادعى وهشام البسطويسى وأى مرشح محتمل، وإننا نرى أنك لا تتصرف كما ينبغى، فى هذا التوقيت، وأنك لم تكتشف أن البلد تدار كما أنه لا توجد ثورة، فمثلا لم يفكر المجلس العسكرى ولجنة طارق البشرى فى احتمال أن الشعب قد يرفض التعديلات الدستورية، وكأن نتيجة الاستفتاء مضمونة 100 %، بدليل أن الجدول الزمنى لم يراع فكرة رفض التعديلات، وأن عدم القبول يعنى حدوث فراغ، وقال له أيضا إن التباطؤ فى اتخاذ أى قرار ضد القذافى، يعنى مزيدا من الذبح فى الشعب الليبى، وأكد محمد بدوى (أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة) على ضرورة وجود جمعية تأسيسية لصياغته، حتى لا يكون الدستور منحة من الحاكم، كما حدث فى دستور 23 الذى منحه الملك، ودستور 56 الذى منحه الجيش، ووافق الرجل، رغم أنه طالب فى البداية بإجراء انتخابات الرئاسة أولا، وقال إنه لا يحبذ وجود مجلس رئاسى، حتى لا يحدث تضارب بين ثلاثة مجالس هى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومجلس الوزراء، والمجلس المقترح والذى سيمثل الجيش فيه بواحد أو اثنين، ولكنى قلت له إنه فى ظل وجود مجلس رئاسى سيعود الجيش إلى مواقعه، بعد أن يسلم السلطة له، ويقوم بحماية التجربة الديمقراطية التى تتشكل من بعيد، عبدالرحمن المنياوى (مهندس ومخطط معمارى) اعتبر أن العمل فى تفاصيل البرامج الرئاسية الآن يعطل أفق التسييس الذى فتحته الثورة ويجهضه، وعلى الأمين العام أن يبدأ من منطق الثورة وليس منطق السياسة، هانى شكرالله (صحفى) طالب موسى بأن يبدأ القيادة من الآن، ويخاطب المجلس العسكرى لإجهاض تعديلات البشرى، ولكن الحضور رفضوا تحركه بشكل فردى، وأن يتحرك مع البرادعى والبسطويسى، لأن الثلاثة باستطاعتهم معا أن يشكلوا ضغطا أكبر لإلغاء الاستفتاء، واتخاذ إجراءات تؤدى إلى إلغاء التعديلات والشروع فى صياغة دستور جديد، لأنه فى حالة الاستفتاء عليها بعد أيام، وفى غياب الأمن والرؤية، سيفاجأ الجميع ببرلمان مكون من رجال الحزب الوطنى والإخوان (الذين وافقوا قبل يومين على تعديلات البشرى التى ترفضها كل القوى الوطنية)، هذا البرلمان هو الذى سيقر الدستور الجديد متجاهلا القوى التى قامت بالثورة، عادل السيوى (فنان تشكيلى) انتقد تصريحات موسى الأخيرة فى الصحف، منها قوله «أنا لست مبارك»، وهو رد أنه قال هذا عندما سئل«هل انت حسنى مبارك جديد؟!» وأيضا تصريحه أن على القذافى أن يتصالح مع شعبه، وهو التصريح الذى يحمل استهانه بدماء شهداء الثورة الليبية، وانتقد السيوى أيضا موقف الجامعة العربية من دعم الليبيين، وقال إن معظم الذين مدوا أيديهم بالمساعدات الإنسانية ونقل الفارين من المعارك هم الأوروبيون، ولم تحرك الجامعة الدول العربية الغنية لإجلاء المواطنين المصريين والسودانيين والسوريين والفلسطينيين، وأنه يجب ابتكار أشكال دعم أخرى للشعب الليبى، كما كان يحدث فى ثورات أمريكا الجنوبية، وقال له إن أداءه داخل الجامعة محسوبا عليه وليس معه، أجاب عمرو موسى أن الجامعة علقت عضوية ليبيا فى الجامعة، وهو قرار مهم، وأنه على اتصال برئيس الحكومة الانتقالية الجديدة، واعتبر أن الموقف معقد جدا، لأن إمكانيات القذافى المالية كبيرة جدا، واستطاع أن يشترى مرتزقة من العالم كله، وأن دولا عربية ترفض فرض عقوبات على القذافى، وأن الحظر الجوى عليه انقسام دولى، واعتبر موقف أمريكا غير المعلن هو رفض الحظر الجوى، أما المعلن فيتمثل فى الصين وروسيا، وبشكل أقل البرازيل والهند.
محمد بدوى أبدى تخوفه فى حال تطور الموقف فى ليبيا من أن تؤثر على الثورة المصرية، وطالب محمد الرفاعى (صحفى) الجامعة العربية أن تعترف بالحكومة الانتقالية رسميا، واقترحت أن يتم اعتماد مندوب منها فى الجامعة، محمد هاشم (ناشر) طالب الأمين العام بالتدخل لدى المجلس العسكرى للإفراج عن شباب المتظاهرين الذين تم إدراجهم ضمن البلطجية الذين تم القبض عليهم منذ أيام، وكرر هذا الطلب محمد عبدالفتاح (مسرحى شاب) وأنا، وهو وعد بذلك. وائل السمرى (شاعر) سأله الأسئلة التى استفزته فى لقائه بساقية الصاوى: أين إقرار الذمة المالية الخاص بك؟، لماذا لا تدعم مرشحا شابا؟، وإننا فى الجامعة العربية وكنا ننتقد التماهى بين الحزب الوطنى والحكومة؟، وأن أداءه فى الجامعة العربية لم يكن موفقا؟، وقال موسى إنه كان مطرودا من نظام مبارك بسبب مواقفة من مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبعض القضايا الإقليمية الأخرى، وأنه يستقبلنا فى الجامعة كما يستقبل العراقيين والسودانيين والصوماليين وغيرهم، وليس لأنه مرشح للرئاسة. إبراهيم أصلان (روائى) فى نهاية اللقاء قال، إن الأحداث المتلاحقة والسريعة تجعل اتخاذ القرارات الصحيحة فى غاية الصعوبة، وانه يطالب عمرو موسى أن يعمل أولا على إلغاءالتعديلات الدستورية، والعمل على صياغة دستور جديد. استمع الرجل أكثر مما تحدث فى اللقاء الذى حضره أيضا أنور مغيث، ولم يحضره غير الذين أشرت إلى بعض كلامهم، وخرج المجتمعون بانطباع جيد عن الرجل، الذى تحدث عن البرادعى باحترام شديد، ووعد بالإسراع فى تحقيق رغبات المتحدثين .. المنطقية، وقال للسمرى ونحن فى طريقنا للخارج أن الشاى الذى شربتموه «على حسابى» وليس على حساب الجامعة.