لست فى حاجة لأن يذكرنى أحدهم بأن "لحوم العلماء مسمومة"- هذا إن كانوا علماء حقا- .. كثير من الناس لا يفرق بين العالم والداعية، ويعتقد أن الفرق بينهما فى طول اللحية، وهذا اعتقاد خاطئ، ولولا أننى أخشى على نفسى من الفتنة وشبهة الكفر، وتهمة التصدى لتفسير آيات الله دون علم، لقلت أن قوله تعالى "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" نزلت فيمن يقولون على أنفسهم الآن علماء أهل السلف، ومشايخ أهل السنة والجماعة، لكن من يختار طريق الديمقراطية عليه أن يتحمل أشواكها، حتى وإن كانت من داعية بثقل محمد حسين يعقوب، الذى كان وما زال مجرد صوت زاعق فى شريط دينى من الطبعة الرخيصة تسرى كلماته بين ركاب نائمين فى ميكروباص يتأرجح على طريق أسيوط الزراعى.
هذا الكلام ليس حقداً منى على علم الشيخ ولا نفوراً من أسلوبه الحاد، لا سمح الله، إنما دهشة واستنكار لما يقوله الرجل فى مسألة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، فقد حاد الرجل عن طريق الحق مرتين، الأولى عندما سماها "غزوة الصناديق"، بينما يرفض هو وتلاميذه من الشباب الملتزم أن يقولوا على من مات فى الثورة شهيداً، بل وكثير منهم يعتبرها فوضى وراءها اليهود والصهاينة، المرة الثانية حينما قال إن "البلد بقت بلدنا" وأخذ يلمح ويلمز على من قالوا لا بأنهم ضد الدين، وهو أسلوب "تلقيح" يليق بالنائحات فى الجنائز أكثر مما يليق برجل يقول إنه داعية إلى الله، بل إنه استخدام سيئ للدين ينم عن أسلوب رخيص كان يستخدمه رجال الكنيسة فى عصور الظلام بأوروبا لتحقيق مصالحهم الخاصة.
هؤلاء الذين يقولون "لا" والذين طالبهم يعقوب بأن يهاجروا لكندا أو أمريكا، كانوا أكثر شجاعة من الشيخ، حينما قالوا لا فى وجه الحاكم الظالم فى عز جبروته، فى الوقت الذى كان الشيخ وزملاؤه وأتباعه يصدعوننا بقاعدة "عدم الخروج على الحاكم المسلم"، وكانوا يلعنون الديمقراطية على منابر رسول الله ويعتبرونها كفراً، ولم يستطع يعقوب نفسه أن يذكر النظام بكلمة حق واحدة خوفاً من أمن الدولة، أو عرفاناً بالجميل للنظام الذى استخدم مشايخ السلفية لكبح جماح الإخوان والليبراليين واليساريين.
لقد بدا يعقوب وهو يخطب فى تلاميذه، وكأنه أحد آيات الله العظمى بإيران وهو يخطب فى الناس مستغلا استعداداهم المسبق لتصديقه حتى لو قال هزلا، قال "مش هما عايزين دين.. اديله دين"، عليك أن تخجل من نفسك يا شيخ وأنت تضلل الناس باسم الله ورسوله وتقسم العالم لفسطاطين، أحدهما مؤمن والآخر كافر، وتؤلب أبناء الشعب على بعضهم البعض، فالسلف الصالح لم يفعلوا مثلك ولم يكونوا متشددين هكذا.
من قالوا "لا" يا شيخنا ليسوا كفاراً ولا ملحدين، كما كانت تصورهم منشورات الدعوة السلفية، ولولا أن القلوب يعلمها الخالق وحده لقلت لك إن منهم من هم أكثر إيمانا منك ومن تلاميذك، حتى ولو كانوا غير ملتحين ولا يلبسون جلباباً أبيض قصيراً، بل إنهم اتبعوا سنة النبى صلى الله عليه وسلم بمعاملة الناس بخلق حسن، ودعوتهم إلى الثورة على الظلم دون عنف أو إراقة دماء، ولم يخونوا من رفض الانضمام إليهم، وبدأوا بتغيير أنفسهم للأفضل فغيروا ما بقومهم، وهو ما تجنيه الآن أنت وزملاؤك فى التيارات الدينية بعد أن كنتم تختبئون خلف تلاميذكم وضحاياكم من البسطاء.. حقاً لا نريد للثورة أن يبدأها حالم وينفذها مجنون ويجنى ثمارها انتهازى أو جاهل.. "أحبكم فى الله".