◄◄ وكالات الأمن الداخلى فى الدول الليبرالية الحديثة تخضع لرقابة البرلمان والمحاكم الادارية العليا
جاءت خطوة اللواء منصور العيسوى، وزير الداخلية، بإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة، لتثير الانتباه إلى التجارب العالمية المماثلة، خاصة فى الدول الشمولية التى لم تعترف بالديمقراطية، متمثلة فى تداول السلطة، وتذكرنا بتلك الخطوة التاريخية التى أقدم عليها الرئيس الروسى الأسبق بوريس يلتسين عام 1991 بتفكيك جهاز الـ«KGB»، الأكثر رعباً، عقب سقوط الاتحاد السوفيتى، وكان الرئيس الروسى وقتها يريد أن يبعث رسالة محورية مفادها أن العقود التى عاشتها شعوب الاتحاد السوفيتى المنحل من تغلغل الشرطة السرية فى كل مناحى حياتهم وأمورهم اليومية قد انتهت إلى الأبد، وتم تفتيت تلك الوكالة المخابراتية التى كانت تتجسس على كل صغير وكبير إلى عدة وكالات بقيادة جهاز الأمن الفيدرالى.
وتختلف الشرطة السرية عن وكالات الأمن الداخلى فى الديمقراطيات الليبرالية الحديثة، لأن الثانية تخضع لتنظيم إدارى صارم، ورقابة البرلمان والمحاكم العليا والمحاكم الإدارية، وتتم محاسبة أى مسؤول أمنى يخرج على القانون بعقوبات تصل للفصل أو السجن والحرمان من المعاش، فماذا عن طبيعة وشكل هذه الأجهزة فى الدول الديمقراطية التى يمكن أن تستفيد منها مصر؟
يكتسب هذا السؤال أهميته فى ضوء ما ذكرته مصادر لـ«اليوم السابع» بأنه تتم الآن دراسة كل الأجهزة الأمنية فى الدول الديمقراطية من حيث تكوينها، ومهام العمل الموكلة إليها، وبالرغم من تأكيد المصادر أنه ليس شرطا الأخذ بنهج هذه الدول، فإن النظر إليها ودراستها يوفران الخبرة الكافية للتجربة المصرية الوليدة المتمثلة فى «جهاز الأمن الوطنى»، فما التجارب التى تتم الآن دراستها من قِبل وزير الداخلية؟
التجربة الأولى تأتى من بريطاينا، حيث يعمل جهاز الأمن الداخلى فيها على أساس قانون خدمة الأمن لسنة 1989، وقانون الاستخبارات 1994، وينص على حماية الديمقراطية البرلمانية البريطانية، والمصالح الاقتصادية، ومكافحة الإرهاب والتجسس داخل المملكة المتحدة، ورغم أن مهمته الأساسية تعنى بالأمن الداخلى، فإنه يلعب دورا فى الخارج لدعم عملياته، وتمتلك الـ«MI 5» تسعة مكاتب فى جميع أنحاء المملكة المتحدة بما فى ذلك مقر رئيسى فى أيرلندا الشمالية، أما الوكالة الثانية المختصة بالأمن فى بريطانيا، فهى شرطة سكوتلاند يارد، وهى متخصصة فى التحقيقات الداخلية فى البلاد، وتعمل بشكل رئيسى باعتبارها دائرة شرطة العاصمة لندن.
أما التجربة الثانية فهى من الولايات المتحدة الأمريكية التى أسست فى نوفمبر 2002، عقب أحداث 11 سبتمبر، جهاز الأمن الداخلى الذى يتحمل مهمة حماية الأراضى الأمريكية من الهجمات الإرهابية، والاستجابة السريعة للكوارث، ويعد الـ«DHS» وزارة مستقلة يتبعها عدد من الوكالات الفيدرالية، وتخضع جميع الأجهزة الأمنية بالولايات المتحدة حاليا لرقابة مستمرة من الكونجرس، حيث تم وضع الكثير من الضوابط، ومع ذلك تبقى مسألة مكافحة الإرهاب دون ضابط أو قانون، تسودها جميع الممارسات التى تنتهك حقوق الإنسان.
أما فى فرنسا فيوجد جهاز الـ«DCRI»، أى الإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية، والتى تأسست عام 2008، وتتبع مباشرة وزارة الداخلية، وهى ناتجة عن اندماج جهازى الـ«DST» الفرنسى، المختص بحماية الأمن الداخلى الذى يتولى مكافحة التجسس والإرهاب ومراقبة التهديدات المحتملة على الأراضى الفرنسية، والجهاز المركزى للاستخبارات العامة، ويمكن لأى مواطن أن يتقدم بشكوى للمحكمة الإدارية فى أى مخالفة ضد الأمن الداخلى، إلا أنه فى سبتمبر 2010 تم اتهام الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى باستخدام أجهزة الأمن الداخلى فى التجسس على صحفيين فرنسيين اعتبرهم مزعجين له.
وأشارت الصحافة الفرنسية وقتها إلى أن ساركوزى يوجه بانتظام أوامر لرئيس جهاز الأمن الداخلى بالتحقيق والكشف عن مصادر أى صحفى يكتب قصصا محرجة للحكومة، بل ذهبت إلى أن الرئيس الفرنسى كوّن فريقا من عملاء الـ«DCRI» لقيادة هذه التحقيقات، خاصة أن برنار سكوارنسى، رئيس الجهاز، أحد أقوى الموالين له، ويقودنا ذلك إلى التأكيد على أنه بالرغم من أن هذه الأجهزة تعمل فى ديمقراطيات عريقة، فإن هناك تجاوزات تقوم بها فى عملها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة