الشيخ محمد حسين يعقوب, الداعية السلفى, كان بـ«يهزر» فى كلامه عن «غزوة الصناديق» التى خاضها من فوق أحد المنابر فى إمبابة, والتى اعتبر فيها التصويت بـ«نعم» فى الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية بأنه «انتصار للدين»، ودعوة للذين قالوا لا للرحيل من مصر والذهاب إلى كندا وأمريكا لأن عندهم «تأشيرات»، فى إشارة مبطنة للإخوة الأقباط، والذى تصور أنهم جميعاً صوّتوا بـ«لا» فى الاستفتاء.
وبعد أن أثار كلام الشيخ يعقوب الاستياء الشديد من جموع كثيرة فى المجتمع خرج علينا - ليس معتذراً وإن كان ذلك واجبا عليه- قائلا إنه «كان بيهزر».
ونقول إن الهزار والهزل فى قضايا تمس هوية الوطن، وتشكك فى انتماء من يعيشون على أرضه من مسيحيين ومسلمين، غير مقبول، وهو فى الحقيقة «هزار دمه تقيل جداً»، فاللعب بورقة الدين هو من أخطر القضايا، ولا يجوز فيه الهزل، ومثله مثل الهزل فى النكاح والطلاق والرجعة، والتى قال عنها الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: « جدهن جد وهزلهن جد»، بل إن تسييس الدين فى غير موضعه هو أشد خطورة من الهزل فى الطلاق والنكاح، لأنه يثير الفتنة وروح الفرقة، و«الفتنة أشد من القتل».
فضيلة الشيخ يعقوب أول من يدرك أن التصويت فى الاستفتاء كان على مواد معينة، ليس فيها أى مواد تتعلق بالدين أو الشريعة من قريب أو بعيد، ولذلك فليسمح لنا أن نسأله: لماذا اعتبر التصويت بالموافقة على التعديلات انتصارا للدين؟ ولماذا تم تخويف البسطاء من الناس فى إمبابة وغيرها من الأحياء الشعبية فى مدن مصر وقراها بأن من سيصوت بـ«نعم» فالجنة ونِعم المصير، والتصويت بـ«لا» مصيره والعياذ بالله - جهنم وبئس القرار؟
المشهد الديمقراطى يوم 19 مارس الماضى ليس لأحد فضل فيه، إنما هو نتاج حركة التغيير، والوعى الذى أحدثته ثورة 25 يناير التى لم تفرق بين المصريين جميعا، وليس نتاج جماعات صمتت كثيراً وتوارت، ورأت بعدم جواز الخروج على الحاكم، ثم خرجت فجأة لتوظيف الدين فى المشهد الديمقراطى الذى أشاد به العالم، ورضيت بنتائجه طوائف الشعب كافة دون التهليل والتكبير.
كنا نتمنى- ومازلنا - أن يخرج علينا فضيلة الشيخ يعقوب باعتذار عن هزاره فى «غزوة الصناديق»، فقد انتهى عصر الغزوات بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونريد من علمائنا وشيوخنا الأجلاء أن يريحونا بالشرح والتفسير فيما إذا كان إقبال الناس على التصويت فى الاستفتاء الأخير ينطبق عليه قول «الغزوة»، وضد من كانت هذه الغزوة التى أعلن عنها الشيخ يعقوب.
إن اللعب بورقة الدين فى الاستفتاء والانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة هو أخطر ما يواجه مصر وثورة يناير المجيدة، لأنه لعب وهزل يهددان وحدة الوطن ومستقبله، وعلينا الانتباه من الآن، وعلى المجلس العسكرى أن يتخذ موقفاً حاسماً تجاه تلك الممارسات، لأن مصير الأوطان ليس لعبة أو هزاراً. > >
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة