أكرم القصاص - علا الشافعي

زينب عبداللاه

غسيل "سيدة مصر الأولى"

الجمعة، 04 مارس 2011 08:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رأيتها تجوب ميدان التحرير صامتة شاردة وسط الزحام والهتافات والأغانى الوطنية قبل إعلان قرار التنحى, تحمل صورة شاب جميل ولافتة مكتوب عليها "يا ناقص يا خسيس دم الشهيد مش رخيص.. أم الشهيد محمد محمود أمين", لا تتحدث مع أحد لكن دموعها التى ملأت وجهها تقول مالا تستطيع أن تعبر عنه كل الكلمات , ورغم حزنها الشديد وقلبها الذى يتمزق كل يوم منذ استشهاد فلذة كبدها الذى كان يستعد لحفل زفافه إلا أن هذا القلب امتلأ إصرارا على الثأر لدمه الطاهر فقررت ألا تعود إلى منزلها إلا بعد أن يرحل النظام وعلى رأسه مبارك وأن يحاكم رعاة البلطجة وزبانية الفساد والقتل والتعذيب.

صورتها ودموعها وإصرارها هى وكل أمهات الشهداء منح كل من يراهن فى الميدان قوة وعزما على عدم مغادرة الميدان إلا بمغادرة مبارك ونظامه.
وفى جمعة النصر رأيتها وسط الميدان تهتف مطالبة بالثأر من حبيب العادلى تحتضن صورة حبيبها الغالى, تبحث عن هذه الصورة بين صور الشهداء التى يحملها المحتفلون فى الميدان وعلى كل حائط أو لافتة وحين تجدها تقبلها, تشير إليها بينما تسيل دموعها ويرتفع صوتها المبحوح لتقول للجميع "دى صورة محمد ضنايا نورعينى هو اللى خلاكم تفرحوا النهاردة أنا حاسة إن النهاردة فرحه ومصر كلها جاية تهنينى, إبنى دمه ماراحش هدر, دمه رفع رؤوسنا, دمه رد الحرية والكرامة لمصر, أصل دم الشهيد غالى, دم الشهيد خلاكم تقولوا للظلم لا وللفساد لا, دم الشهيد خلاكم كلكم إيد واحدة, دم الشهيد طاهر طهر نفوسنا وقلوبنا وحياتنا وبلدنا, دم الشهداء غالى وتمن الحرية غالى, إبنى كان كاتب كتابه بس أنا النهاردة كأنى شايفاه عريس فى الكوشة".

كلماتها ودموعها أبكت كل من رآها بينما ظلت تردد هذه الكلمات وهى تنظر إلى العيون الباكية حولها قائلة "ماتخافوش عليا أنا كويسة أنا فرحانة لازم كلنا نفرح بالشهداء".

هذا المشهد الذى لن أنساه جعلنى أشعر أن هذه السيدة المصرية الأصيلة التى ضحت بأغلى عزيز لديها فداء مصر وشعبها هى من تستحق عن جدارة لقب سيدة مصر الأولى بما قدمته هى وكل أمهات الشهداء لإعادة الكرامة بعد طول ذل وقهر وفساد.

ففرق كبير بين من منحت مصر وشعبها ما هو أغلى من حياتها وروحها ومن أرادت أن تكون مصر وشعبها ملكا لها ولأبنائها, من ظلت دائما فى الظل تربى وتغرس حب الوطن فى أبنائها حتى منحتنا جميعا نورا أضاء حياتنا ووطننا, ومن اهتمت بالاستحواذ على السلطة والنفوذ دون أى سند دستورى أو قانونى, بين من نفخر جميعا وتعلو رؤوسنا ونحن نقبل يديها وجبينها حبا وإجلالا وتقديرا لتضحيتها وبين من يتسابق الوزراء للالتفاف حولها وتقبيل يديها نفاقا ورياءا لمجرد أنها زوجة الرئيس فيمشون فى ركبها ويأتمرون بأمرها لأنهم يعلمون قدر نفوذها فى اختيار الوزراء وإقالتهم ورسم السياسات وحكم البلاد.

سيدة مصر الأولى لقب تشرف مصر وشعبها بأن تحمله أم الشهيد لا زوجة الرئيس حتى نغسل هذا اللقب مما علق به من شبهات, فلقب السيدة الأولى الذى أطلقه لأول مرة سنة 1849 الرئيس الأمريكى زكارى تايلور على السيدة دولى ماديسون زوجة جيمس ماديسون رابع رئيس للولايات المتحدة الأمريكية حين حضر جنازتها أصبح هذا اللقب فى أحوال وبلاد كثيرة لقبا السمعة لأنه ارتبط بزوجات رؤساء عرب وأجانب لعبن أدوارًا خطيرة فى السلطة وشاركن أزواجهن فى الحكم المستبد الفاسد بل إن منهن من كانت هى الحاكم الفعلى للبلاد وساهمت فى إفساد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكانت سببا فى الإطاحة بزوجها مثل سيدة تونس الأولى ليلى الطرابلسى وما يثار حول دور سوزان مبارك ونفوذها فى إفساد الحياة السياسية لصالح توريث الحكم لابنها جمال، ومن قبلهن إلينا تشاوشيسكو زوجة رئيس رومانيا التى حكمت البلاد بالقهر ومنحت السلطة لأقاربها وأصدقاءها وكانت نهايتها الإعدام مع زوجها الطاغية وأقدم مثال مارى أنطوانيت التى حكمت فرنسا عام 1774م، بعد أن نزعت السلطة من زوجها الملك لويس السادس عشر تدريجيا وأصبحت هى الحاكم الفعلى وأثارت غضب الشعب بظلمها وفسادها وانتهت حياتها بالإعدام خلال أحداث الثورة الفرنسية.

هكذا فعلنا نحن أيضا, أطلقنا هذا اللقب على سيدات كل مؤهلاتهن أنهن زوجات للرؤساء فساهمنا فى أن ترى كل منهن نفسها حاكمة بأمرها من حقها أن تتحكم فى مصائر البلاد والعباد فتراهم إرثا لها ولعائلتها وأبناءها, فعلنا كما يفعل عبدة الأصنام يصنعونها بأيديهم ثم يعبدونها, واليوم وقد دفع الشهداء وأسرهم وأمهاتهم ثمن تحطيم كل الأصنام فلنتعهد ألا نصنع أصناما جديدة, وألا نطلق هذا اللقب على زوجة أى رئيس نمجدها وننافقها طالما ظل زوجها فى الحكم ثم نكتشف حجم فسادها وإفسادها بعد أن يزول حكمه, علينا أن نغسل هذا اللقب ونطهره ونمنحه بعدا ثوريا يذكرنا دائما بثورتنا على الأصنام فلا نطلقه إلا على من تستحقه ومن دفعت ثمن حريتنا من دمها ولحمها وروحها, سيدتى وأمى أم الشهيد أنت من نشعر بالفخر ونحن ننحنى أمامك لنقبل يديكى وجبينك, أنت حقا سيدتى وسيدة مصر الأولى التى حررتنا دماءك الطاهرة فحطمنا كل الأصنام.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة