فى مكالمة بينى وبين أحد الزملاء فوجئت به يسألنى متهللا هل شاهدت كليب «كرم جبر»؟ أجبته أى كليب تقصد؟ قال لى بحماس لا يقل عن سابقه: ادخلى على اليوتيوب وأنتى تشوفى بنفسك وابقى كلمينى.
وما كان منى إلا أن أسرعت بفتح الكمبيوتر، وبعد البحث وجدت آلاف المواقع الإلكترونية والمنتديات التى تبث الكليب تحت عنوان طرد كرم جبر من «روزاليوسف»، وأعترف بأننى صدمت من كم المشاهدات والتعليقات التى جاءت على الفيديو، وتحمل فى جزء كبير منها حالة من التشفى والإساءة لشخص الرجل بدعوى أنه كان جزءا من النظام الفاسد والذى روج إعلاميا لأشخاص فاسدين ومفسدين، ولذلك يجب بتره فهو ذيل من ذيول الفساد التى يجب القضاء عليها ويتواجد بعضها فى المؤسسات الصحفية وغيرها من مؤسسات الدولة والكلام يبدو جميلا ومنطقياً، ومن حق الصحفيين وغيرهم من العاملين فى باقى مؤسسات الدولة أن يشعروا بأن الفساد رحل، وأن العديد من المؤسسات يتم تطهيرها.
ولكن من قال إن المطالب يجب أن تؤخذ بإهانة الطرف الآخر والتعدى عليه بالضرب وشتمه ووصفه بأقذع الألفاظ، وإذا كانت هذه الحالة تحدث فى الشارع أو فى بعض المؤسسات فإنه لا يصح بحال من الأحوال أن يقوم بها صحفيون فى مؤسسة إعلامية ومن المفترض أنهم قادة رأى ويوجهون الرأى العام، وما داموا قد برروا لأنفسهم محاولات ضرب رئيسهم وإهانته، فكأنهم بذلك يوجهون رسالة إلى كل العاملين فى الدولة باتباع نفس الطريقة مع رؤسائهم واعتماد منهج الضرب والإهانة وسيلة لاسترداد ما هو من المفترض أنه حق.
كان من المفترض أن يقدم الصحفيون طريقة أكثر رقيا فى التعامل مع رؤسائهم، تبدأ من الاحتجاج، ثم صياغة بيان يطالبون من لا يرغبون فيه بالرحيل أو التهديد باعتصام وإلى آخره من الإجراءات التصعيدية، وأرجو ألا يفهم من كلامى أننى أدافع عن الأستاذ كرم جبر أو غيره من رؤساء المؤسسات القومية، فأنا لم ألتقِ به سوى مرات قليلة منذ بداية عملى فى الصحافة حيث التقيته فى جريدة العالم اليوم، وكل ما أذكره أنه كان رجلا شديد الخلق والتهذيب، ولكننى أدافع عن ثقافة الاختلاف، وديمقراطية الرأى والرأى الآخر والأستاذ كرم وأصر على وصفه بالأستاذ لأن هذا حقه الأدبى مثله مثل الكثيرين على مر التاريخ اختار أن ينحاز للنظام وأن يكون أحد كتبته وكل ما صاغه بحق هذا النظام والترويج له سيحسب لاسمه وللعهد الذى أدار فيه مؤسسته، وسيحاكمه التاريخ مثلما فعل مع الكثيرين من الصحفيين والإعلامين الذين ارتضوا أن يكونوا أبواقا لنظام ظلم شعبه.
وأرجو من كل الذين يختلفون معى أن يفكروا ولو قليلا فى شريعة خد حقك بإيدك، التى بتنا نتعامل بها وأخلاق الفوضى، تخيلوا معى صورة المجتمع لو كل إنسان فى مكانه قرر أن يأخذ حقه بيده ويعتدى على رئيسه وقتها علينا أن نقول وداعا للدولة ومؤسساتها وابقى سلملى على سيادة القانون.