القصاص أم التسوية؟...العقاب والسجن أم توفيق الأوضاع؟...أسئلة طرحت نفسها وطرحها الكثيرون بعدما انتهت أيام الثورة الأولى، وبدأت أيام التطهير، كما أطلق البعض عليها، خصوصا فيما يتعلق بالمخالفات الإجرائية التى حصل بمقتضاها الكثير من رجال الأعمال الكبار على أراضى وامتيازات دون غيرهم، ليس بسبب فسادهم جميعا أو على الأقل بعضا منهم، وإنما بسبب فساد نظام إدارى وحكومة كاملة كانت تستبعد أن يأتى يوم للحساب.
هذه التساؤلات رغم بساطتها إلا أنها إشكالية لا يمكن أن تجد إجماعا من أى جهة على إجابة واحدة لها، فرغم إيماننا جميعا بضرورة القصاص ووجوب العقاب لكل من أساء وأخطأ وسرق من حقوق الفقراء حتى ولو أجبر على ذلك بطريقة أو بأخرى، لأنه أصبح شريكا فى الظلم عندما سكت عنه، إلا أن هذا المنطق يصطدم بقوة مع مبدأ "اقتصاد السوق" الذى يقضى بترك السوق يسير تحت قانون العرض والطلب وفى ظل رقابة الدولة وليس ذنب له (رجل الأعمال) إذا كانت هذه الدولة أو النظام فاسد.
فكيف نعاقب رجل أعمال طلب قطعة أرض لإنشاء مشروع كبير فتجاهل المسئول الحكومى القانون ولم يعطها له عن طريق مناقصة علنية مثلا وفضل أن يخصصها له بالأمر المباشر حتى يضمن لنفسه منفعة ما؟ هذا السؤال سمعناه كثيرا من رجال أعمال متهمين بمخالفة القانون، رغم أنه لم يعرض عليهم القانون أصلا، وهل نقوم بسجن رجال الأعمال لأنهم كانوا فريسة لفساد نظام كامل؟ ...كل المراقبين الاقتصاديين يحذرون من اتخاذ إجراءات عقابية عنيفة مع رجال الأعمال ليس فى مصر فقط ولكن فى أى سوق ناشئ لأن تبعات هذا السلوك ستكون وخيمة على الاقتصاد كله وسيهرب رجال الأعمال ويحجم الآخرون عن الدخول فى هذا السوق.
لكن، هل يعنى ذلك أن نترك المخالفين بحجة حماية السوق والاستثمارات؟ طبعا الجميع يرفض ذلك، إلا أن هناك من يقترح أن نقوم بمعاقبة المسئول المخالفة الإجرائية والقانونية بكل صنوف العقاب اللازم، أما رجال الأعمال فالحل الأمثل هو تصحيح الخطأ، وإجبارهم على تعديل العقد مثلا، أو دفع ما يقابل المخالفة لتصحيح الوضع حفاظا على حقوق البلاد أولا، وحفاظا على استمرار وجوده فى السوق ثانيا.. لأن القضاء على رجال الأعمال خصوصا من لم يتعمد الفساد لن يستفيد منه أحد بل سيخسر الجميع.
حجم المشكلة سيتضح عندما نعلم أن حجم المخالفات التى تمت تتجاوز قيمتها 700 مليار جنيه، وأن أغلب هذه المخالفات أو العقود الفاسدة، تمت بسبب فساد المسئولين أو خطأ فى الإجراءات وليس رجال الأعمال هم المسئولون الأساسيون فيها، وإنما المسئولون الحكوميون هم الذين خالفوا الإجراءات القانونية، وأن معظم هذه القضايا عندما تدخل المحاكم الاقتصادية سيحكم ببطلان العقود والمطالبة بتصحيحها، وليس بإعادة الأراضى مثلا، إلا إذا ثبت تواطؤ رجال الأعمال فيها وتعمد الفساد..فماذا نفعل لصالح الوطن؟..هل نصلح ما أفسده المفسدون ونرد مليارات الجنيهات دون العقاب العنيف بالسجن أو غيره ونحافظ على مستقبل يمكن أن يكون أفضل ببعض الإصلاح؟ أم نرفع المشانق لكل المخطئين ونهدم مستقبلا قبل أن يبدأ؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة