تحمل المرحلة التالية لإسقاط أى نظام مستبد الكثير من الاجتهادات، وتنفجر فيها حالات الغضب، خاصة إذا كان الفعل الثورى الذى أجبر النظام المستبد على السقوط، دون قيادة واحدة تتحدث بلسان الثوار.
الثورة تقوم ضد ظلم سياسى واقتصادى واجتماعى، وضد ديكتاتورية تكمم الأفواه، ومع سقوط هذه الديكتاتوريات تنفتح شهية الجميع نحو المشاركة، ويتعاظم الشعور بـ "الأنا" من البعض، على خلفية أنهم هم الذين فجّروا الثورة، وهم الذين قادوها، وبالتالى هم الذين لهم الحق فى التحدث باسمها، ويؤدى ذلك إلى فرض ديكتاتورية جديدة.
شىء من هذا يحدث مع ثورة 25 يناير، ففى الوقت الذى تحتشد فيه "المليونية" فى ميدان التحرير من أجل الضغط لتعظيم مكاسب الثورة، تأتى المفاجأة فى الانحراف بالوسائل المؤدية للضغوط، لتصب فى أهداف أخرى تثير الانقسامات، وتتولد صورة مغايرة عن الذين تظاهروا وثاروا حتى سقط النظام.
ما حدث ليل الجمعة الماضى يحمل هذه الرائحة، فبعد أن احتشدت "المليونية" تحت شعار "جمعة المحاكمة والتطهير"، وبعد أن سار اليوم على هذا النحو، جاء قرار الاعتصام من البعض.. فلماذا؟.
أطرح سؤال "لماذا الاعتصام؟"، وأعلم أن البعض لن يرضيه السؤال، لكنه يكتسب وجاهته من أن هناك أياما قادمة يمكن فيها تعبئة مليونية جديدة، إذا حدث بطء فى "المحاكمة والتطهير"، وادخار الاعتصام للحظة أخرى قادمة تتوافق عليه جميع القوى السياسية، لضمان أن يكون استمراراً لنفس ما كان عليه الوضع فى ميدان التحرير أثناء الثورة، من تنظيم وتفعيل، حتى يؤدى هدفه المأمول.
أدى اعتصام الجمعة إلى دخول عسكريين بملابس عسكرية إلى الاعتصام للانضمام إليه، والسؤال، لماذا يحدث هذا الآن؟.
المعروف أن الحياة العسكرية لها قوانينها، وليس من المعقول أن يأتى ضباط إلى ميدان التحرير بزيهم، ويطلبون من الموجودين فى الميدان مساندتهم، دون أن يعرف أحد ما هى الأسباب الحقيقية التى أدت إلى خروجهم، وعلى سبيل المثال كشف الجيش معلومات فى الأيام الثلاثة الماضية عن أن واحداً منهم تم خروجه لأنه تزوج نرويجية، وهو ما يتعارض مع القوانين المنظمة للبقاء فى الجيش، كما أن آخر تغيب بعد عودته من دورة فى أمريكا، وليس من المعقول أمام هذه الحقائق وغيرها أن يندفع المعتصمون إلى مساندتهم، ومن الأصل يجب ألا يكونوا فى الميدان، وتلك حقائق يجب ألا نغفلها ونحن فى هذا الظرف العصيب، الذى تنشط فيه قوى تريد لمصر أن تعود إلى الوراء.
من قبيل التذكير والتأكيد، إن الجيش احتضن الثورة وحماها، ومارس دوره الوطنى المعهود، ويجب أن ننتبه إلى أن رد الجميل شعبيا له لا يكون باحتضان الذين خرجوا من صفوفه لأسباب تخضع لقوانين عسكرية تضعها كل دولة من أجل الحفاظ على أمنها القومى، فتلك هدية يقدمها ميدان التحرير دون أن يدرى، ليس للثورة المضادة، وإنما لأعداء مصر المتربصين بأمنها القومى، والاعتداءات الوحشية التى تقوم بها إسرائيل حاليا ضد غزة هى نذير علينا الانتباه له.
حدثنى البعض عن أن هناك عناصر من الحزب الوطنى اندست بالأمس، وهى المسئولة عما جرى من اشتباكات فجر السبت، وإذا كان ذلك صحيحاً فكان من الواجب على القوى المشاركة فى فعاليات نهار الجمعة أن يعلنوا عدم مسئوليتهم عن الاعتصام، وعلى الجيش أن يبحث عن المسئولين الحقيقيين لما حدث.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة