لا يصدق حسنى مبارك أنه أصبح رئيسا سابقا، ومخلوعا مازال يتحدث إلى "الإخوة المواطنين"، ويخطب منتظرا أن تتحول خطاباته إلى تعليمات وبرامج وقمصان وبنطلونات.
ربما لا يعلم الرئيس السابق أن طاقم الترزية سبقه إلى سجن طره، وأنه يفترض أن يلحق بهم، حتى يمكنه أن يعثر على عباقرة يفهمون بياناته ويحولون "أى كلامه" إلى برنامج عمل للمساء والسهرة.
مبارك لو كان يتابع ما يحدث فهو يريد أن يقول إنه محمى فى مستعمرته بشرم الشيخ، ويريد أن يقول إنه يتكلم وقتما يشاء ويقول ما يريد، غير ملتفت لكون كلمته المسجلة تنم عن استمرار حالة البلهنية الرئاسية التى أصابته وأصابت نظامه منذ الصيف الماضى ومنعته من التحرك لمواجهة النار التى اشتعلت فى ذيل ملابسه واعتبرها ماتزال بعيدة عن قصره.
وحسنا فعل.. مبارك بكلمته تلك يضع المجلس الاعلى فى مأزق، ويبرر اتهامات بالتواطؤ، خاصة أنه يتحدث بكلام يناقض الواقع، قال إنه لايمتلك أية ثروات خارج مصر، وأعلن أنه متألم من الاتهامات، ولم يبد أى ألم وهو يعرف أن وزير داخليته، بتعليمات منه قتل مئات الشهداء، واصاب آلاف.
لم يبد مبارك أى ألم من تزوير الانتخابات وسرقة إرادة الشعب طوال ثلاثين عاما، وهو وحزبه وتحالف المال والسلطة اشتروا وباعوا إرادة الناخبين، لم يشعر بالم وهو يعرف أن ثلث الشعب تحت خط الفقر، وثلثه الآخر تحت هجوم المرض، وأقل من واحد فى المائة أثروا بلا سبب غير الاقتراب من سلطته وأسرته.
الحساب ليس على الأموال فقط، لكنه على الأرواح، التى احترق أصحابها فى القطارات، أو ماتوا تحت أنقاض المنازل المتهالكة، أو بالكبد الوبائى. المحاكمة المطلوبة إذن على الإفساد السياسى، والتزوير والتلاعب، وتدمير مؤسسات الدولة، وسرقة مستقبل الشعب.
مبارك لا يزال يقدم عروضه متاخرا بشهور كعادته، يقدم نفسه على أنه الرئيس الفقير المتواضع، الذى يضع "تحويشة عمره" فى بنك مصرى، وإن كان لم يحدد حجم ثروته التى يقول إنه قدمها وسجلها فى إقرار ذمته المالية، فلماذا لم يتحدث عن ذمته السياسية الذى يتجاوز فى فظائعه وجرائمه إقرارات الذمة المالية.
وجود مبارك فى شرم الشيخ مشكلة كبرى، بالفعل وتسجيلاته الصوتية تعنى أنه يريد أن يستمر فى تقديم عروضه، ناسيا أنه أصبح سابقا.ليؤكد دائما أن الطغاة لا يتعلمون الدرس حتى بعد ان يطاح بهم، ويواصلون الحالة سابقا فى كل وقت.