لايزال حسنى مبارك الرئيس السابق، لا يصدق أنه أصبح سابقاً، وكعادته لا يريد استيعاب دروس التاريخ. اكتسب عادات من السلطة والتسلط، لم يكن مهتماً بقراءة الصحف أو متابعة الفضائيات. ولا الالتفات للانتقادات التى توجه إليه، كان يعتبرها بلاقيمة. طالما يرى كل من حوله يدور حوله وحده. من كثرة ما كانت أفكاره البسيطة تتحول إلى تعليمات الرئيس لم يهتم بأحد.
ربما كان مبارك يفضل الفرجة على الأفلام ويتابع بعض برامج التوك شو للمذيعين المسليين الذين يعرف أن ولاءهم له.
حسنى مبارك لم يتعلم شيئاً من الرئيس الأسبق أنور السادات. وكما كتب الراحل أحمد بهاء الدين، كان السادات يرفض قراءة الصحف أو الاستماع للإذاعات، وكان يعتبر متابعة الأخبار سبباً فى مقتل جمال عبدالناصر. ويفضل ملخصات التقارير، ويتخذ القرارات بناء عليها. ولم يشعر باحتمال أن يتعرض للاغتيال. ولهذا سقط مذهولاً لأنه قتل وهو وسط «أولادى».
مبارك جرب وصفة السادات، وتوقف عن قراءة الصحف أو الاهتمام بها، وصدق التقارير الأمنية، وهو معذور، فقد جرب أن يكون رئيسا لثلاثين عاماً، دون الحاجة لتغيير عاداته فى النوم مبكراً والاستيقاظ مبكراً، وعدم قراءة الصحف أو الاهتمام بمعارضيه. وحتى عندما جاءته الإشارات من تونس كان متأكداً أنه سيواصل رئاسته «حتى آخر نفس». وحتى فى كلمته التى سجلها وأرسلها إلى قناة العربية، يبدو مبارك وكأنه لا يصدق أنه أصبح رئيساً سابقاً، مع أنه يفترض أن يكون لديه الوقت لقراءة الصحف ومتابعة الفضائيات، ليعرف أن كل من كانوا يسبحون باسمه، ويمتدحون اشتياقه لطشة الملوخية، انقلبوا وأصبحوا يبالغون فى مهاجمته، واتهامه بأنه سبب كل البلاوى. بل إنهم حولوا دفة مدائحهم إلى الثورة التى كانوا قبل لحظات من تنحى مبارك، يلقون عليها كل الاتهامات. لقد اعتادوا المديح، ومستعدون لأن يطبلوا لأية سلطة. طالما كانت سلطة.
مبارك لم يكن يقرأ، واعتاد طوال ثلاثين عاماً أن يتجاهل مايقوله خصومه، يسخر من منتقديه، ويعتبرهم خارج نطاق اهتماماته. كان يصدق فيلم «طباخ الرئيس» أكثر مما يصدق طباخه، نجح طوال ثلاثين عاماً فى أن يحافظ على نظامه دون أن يلتفت للثقوب والتسربات. وتهاوى فى أقل من خمسة عشر يوماً. تاركا نصف الشعب فقيرا وثلثه مريضا، وتحت خطوط الفقر. وهؤلاء لم يكن ذكرهم يرد فى ملخصات التقارير، ولا فى اجتماعات أجهزة الأمن.
مبارك رفض الاستماع لخصومه، وعجز عن تأمل انتقادات المختلفين معه، لأنه كان لايريد رؤيتهم. لم يسمع لغير نفسه، وآمن أنه عبقرى، لا يرى من يصلح للحكم بعده، ولهذا اختار ابنه.
هل يجد مبارك الوقت ليقرأ مافاته من صحف وأخبار ليعرف كيف يكون حال الرؤساء السابقين الذين خلعتهم شعوبهم. لم يتصور مبارك أن يصبح «سابقاً»، وحتى الآن فى كلمته التى هربها، بدا غير مستوعب. مازال يتحدث إلى «الاخوة المواطنين». لم يكتشف أن مصر مستمرة بدون رئيس، وأنها استمرت بدون حكومة، ربما بشكل أفضل.
كانت أخطاء مبارك أنه لم ير غير نفسه، ولم يتصور عبقرياً غيره، تجاهل خصومه ونسى منتقديه، لم يعترف بأنه مخطئ، ولهذا أفاق على الانهيار. هذه أخطاؤه، فهل يفترض بنا أن نتعلم من أخطائه، وألا نتجاهل المختلفين معنا، وأن ننظر لمنتقدينا، وألا نهون من المشكلات الصغيرة التى تكبر وتتحول إلى كوارث. علينا أن نتعلم درس مبارك.. حتى يمكننا أن نبنى نظاما لايشبه مبارك ولا خطاياه.