قل لى بصراحة: ماذا تشعر بعد جولتك المسائية على برامج التوك شو المصرية؟ حاول مراجعة حالتك النفسية بعد أن استهلكت طاقة جهاز الريموت كونترول طيلة ليلة كاملة، ثم غادرت إلى سريرك تتمنى لنفسك أحلاماً سعيدة؟
أو لو أن قرارك هو مشاهدة هذه البرامج فى بداية يومك؛ كى تبدأ صباحك بالاطلاع على ما يدور فى البلاد، ورغبةً فى التعرف على عقول مفكريها..
أعرف..
الاكتئاب.. طبعاً وفى كل الأحوال، بالإضافة إلى الكوابيس لو كنت من مشاهدى المساء، والرغبة فى الانتحار قبل أن تبدأ يومك لو كنت من مشاهدى الصباح، فهذا ليس هو حالى وحدى، ولا حالك أيضاً، هو نتاج طبيعى لسببين: أولهما هو عدم اجتهاد هذه البرامج فى التطوير العميق، والثانى هو «تصدير» المشاكل ورسم صورة مكتملة باستخدام الطرق المسدودة، دون الوضع فى الحسبان أن الأمل هو وحده ما يدفعنا للبحث عن الحلول!
مراراً وتكراراً، ولن أمل، لا بد من إعادة النظر فيما نقدمه، فهو تماماً يصنع الوعى العام المصرى.. للأسف، هذه البرامج التى أدمنها المتلقى، أصبحت صالونات تثقيفية ومنتديات حوار يحق للجميع حضورها من خلال شاشة جهاز التليفزيون، مجرد مقارنة بينها وبين البرامج الغربية، تجعلنا نكتشف بسهولة شديدة، ما هو الفرق بيننا وبينهم، بين برامجنا وبرامجهم، بين رغبة المشاركة فى تشكيل الوعى الجمعى بمنتهى الإحساس بالمسؤولية، والرغبة فى «اللطم» على الخدود وتصفية الحسابات والحصول على فرصة ظهور جديدة.
حينها أيضاً ستصاب بالاكتئاب، لأنك ستعرف أن هناك فرقاً كبيراً بين شعوب تتحاور لتصنع غدها، وشعوب تتجادل لتضمن بقاء الماضى حياً! ولأننا من الفريق الثانى، يحق لنا أن نحزن.. بالأحرى أن نغضب، لأن الجدل أضاع أمماً قبلنا، ونحن نوشك على اللحاق بهم.
تحميل برامج التوك شو مهمة تشكيل الوعى العام المصرى فى هذه اللحظة الفارقة من تاريخنا، ليست بالمهمة المستحيلة، ولا الظالمة: فإما أن تكون على قدر المسؤولية أو لتصمت، صدقونى سيكون الصمت حينها من ذهب.
لو أن الروح التى تسود مصر منذ 25 يناير، الرافضة للرضوخ بالأمر الواقع، والراغبة فى صنع مستقبل يليق بالمصريين، والمضحية بالحياة ثمناً ليعيش الآخرون، لو أن هذه الروح تلبست صناع التوك شو، لشاهدنا شاشات مختلفة، تؤمن بأن ما فات قد مات، وأن الغد وحده هو ما نملك أن نعيشه، فليكن كما نريد، لا كما تأتى به الرياح حتى لو لم نشتهه.
لكننى مقتنعة تماماً، كما أن أجمل أيام العالم لم يأت بعد.. ربما أجمل برامجه كذلك.