كانت رسائل الأعياد القصيرة فى السنوات الأخيرة "عيد مبارك.. من غير مبارك"، كانت رسائل تحلم بأعياد يختفى فيها رئيس ظل جاثما على البلد طوال ثلاثين عاما، وتصور أنه مستمر الى مالانهاية. وانتقل هذا الشعور لكثيرين تصوروا أنه لن ينتهى أبدا، لكنه خرج مثل غيره، واتضح أنه إنسان، وأصبحت الرسائل القصيرة اليوم "سجن مبارك..".
هل كان مبارك يتصور أن يجلس تلك الجلسة أمام جهات التحقيق، متهما بالقتل والإثراء غير المشروع؟.. غالبا لا، فقد جرب طوال ثلاثين عاما أن يفعل هذا دون أن يتخيل أحدا يسأله أو يحاسبه، هو الذى كان يسأل ويحاسب، ويقرر، وحتى حالته الصحية كانت سرا من الأسرار، أصبحت مشاعة وأصبح تائها بين المستشفيات، وربما كان يحلم أن يبقى فى إحدى مستشفيات البلد محميا من الشعب والسجن، ينتظر تعليمات الشعب بتحديد مصيره.
مبارك الذى اعتاد طوال ثلاثين عاما أن تتحول كلماته وهمساته إلى برامج عمل والهام، ثلاثة شهور أو اقل كانت فاصلا بين الواقع.. والواقع الذى يشبه الخيال، هل كان من الممكن أن تتغير الأقدار، وينتبه مبارك أو جمال أو عز إلى توقع المستقبل، لم يكن ممكنا لأن "الإنسان له قدر واحد"، والمتسلطون لا يتعلمون، ولا يستوعبون الدروس إلا بعد فوات الأوان.
وبالرغم من قسوة التزوير والقتل ورفض الاستماع لأى نوع من التحذيرات، فقد كانت كل تلك العوامل هى التى ساعدت على تصاعد الغضب وتحوله إلى انفجار أطاح بكل هؤلاء. بمبارك ونظامه.
الآن تجتمع حكومة نظيف ومجلس الشعب والشورى وعدد من الوزراء فى سجن طره، وينضم إليهم مبارك، لن يجد الوقت لإصدار التعليمات التى اعتاد إصدارها، والظهور فى هيئة الرئيس الذى يعمل لمصلحة الشعب، ومن بعده الفوضى، لقد ظل يظن أنه وحده الذى يفهم فى شئون الحكم، وأنه مضطر لقبول فترات حكم متتالية لأن مصر لم تنجب عبقريا مثله، وأطاح بآمال أجيال كان يفترض أن تحتل مكانها فى صناعة المستقبل.
لقد خضع مبارك وعصابته للتحقيق، لكن هذه المرة ليس بتعليمات الرئيس، لكن بتعليمات الشعب، لقد استمرت مصر بدون رئيس وبدون حكومة، ولم يحدث شىء، ويراهن المصريون على إمكانية بناء المستقبل دون الحاجة لعبقرية مبارك.
مبارك كان أكثر الرؤساء حظا فى تاريخها الحديث، فقد حظى بأكثر مما حظى به جمال عبد الناصر وأنور السادات كلاهما، واجه تحديات وخاض حروبا، لكن مبارك كانت لديه الفرص، وكان رئيسا للفرص الضائعة، وهو قضية أخرى نتابعها.