الحكومة الآن فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة المؤقتة التى تمر بها مصر تبحث عن مواردها، وتفتش فى دفاترها، وتستنجد بالدول الخارجية لمساعدتها وإقراضها، فى الوقت الذى تهدر فيه موارد وأموالا طائلة بالداخل بسبب السياسات العشوائية، والفساد فى السابق.
وأقدم لحكومة الدكتور عصام شرف نموذجا لهذه الموارد المهدرة التى لم تستفد بها الدولة أو يشعر بعائدها المواطن العادى، فالنظام السابق عندما قام ببيع شركات الأسمنت المملوكة للدولة إلى شركات مصرية وأجنبية لم يكتف فقط بالتدليس والعمولات والعقود المشبوهة فى بيع هذه الشركات، بل قام بتقديم هدايا مجانية لملاكها الجدد، أضاعت على خزينة الدولة المليارات، كانت عبارة عن طاقة مدعمة من الغاز إلى هذه المصانع تقدر سنويا بنحو 12 مليار جنيه، لحوالى 12 مصنعا للأسمنت.
فهل تحقق العائد من هذا الدعم المهدر؟
طبعا لا وألف لا، والإجابة ليست من عندى، بل تكشف عنها دراسة تكفلت بها وزارة البترول وهيئة التنمية الصناعية ومركز البحوث بطلب من شركات الأسمنت (لم تدفع تكلفتها حتى الآن بالمناسبة) وأثبتت- استنادا إلى ميزانيات الشركات- أن التكلفة الفعلية لإنتاج طن الأسمنت تقدر بـ 148 جنيها، وتقوم الشركات ببيعه للمستهلك فى السوق المحلية بما يتراوح بين 450 و500 جنيه، علاوة على أن تكلفة دعم طن الأسمنت من الطاقة (الغاز يعنى) تبلغ 250 جنيها، بما يعنى أن تلك الشركات تحقق ربحية فى الطن الواحد بنسبة 200%، رغم دعم الطاقة الذى تقدمه الدولة، وتسهو عنه إلى الآن دون مراجعته،الأكثر من ذلك أن شركات الأسمنت تصدر الطن بحوالى 108 دولارات (600 جنيه تقريبا) أى بمعدل ربحية قياسى، وهذه الأرباح بحكم قوانين الاستثمار تحول إلى الخارج دون أن يعاد استثمارها فى الداخل، يعنى موت وخراب ديار، فالمواطن المستهلك لا يستفيد من دعم الطاقة للشركات، والدولة لا تستفيد من أموال الأرباح الخيالية، ولا تصب فى شرايين الاقتصاد الوطنى.
نقول ذلك ونغض الطرف عن عمليات البيع الغامضة لبعض الشركات، فالشركة المصرية للأسمنت عندما تم بيعها لشركة «لافارج» الفرنسية دون دفع ضرائب مستحقة بقيمة 7 مليارات جنيه للدولة، وتستحوذ «لافارج» على ثلث حصة الأسمنت فى السوق المحلية (54 مليون طن) من إجمالى إنتاج مصر من الأسمنت سنويا.
هدايا الفساد والتدليس فى النظام السابق لم تتوقف فقط عند دعم الطاقة، بل امتدت أيضا إلى منح عدد من شركات الأسمنت إعفاء ضريبيا مثل شركات بنى سويف وجنوب الوادى وسيناء وقنا.
هناك المليارات المهدرة داخل مصر لا تستفيد منها الدولة، وهى الأولى بها الآن من أجل دعم خزينة الدولة والموازنة العامة المهددة بالعجز، وإذا كان اللجوء إلى الدول الخارجية أمرا مطلوبا فى هذه الظروف الصعبة، فإن البحث عن الأموال المهدرة فى الداخل له الأولوية، فبدلا من الدعم يكون البيع، وبالتالى نوفر للموازنة العامة 12 مليار جنيه سنويا، وهذا مجرد نموذج واحد، والتفتيش فى باقى الدفاتر سيكشف المزيد والمزيد. > >