لو فسر البعض ما سأكتبه فى السطور القادمة بكونى أحد فلول النظام البائد فليكن، رغم أنى ما كنت منهم، ولو أرجع البعض رأيى لكونى من أهل الثورة المضادة فليكن، رغم أنى على مدى عمرى كنت من أهل الثورة على أى ظلم أو خطأ أراه أو أحسبنى كذلك.
ولكننا فى لحظة فارقة، فملعون من يصمت خوفًا من ديكتاتورية ليست حاكمة بعد، ولكنها تلوح فى الأفق بشدة، ديكتاتورية كلمة الثورة، وشبابها، أو بتعبير أدق بعض شبابها الذين بدأت الصحف تنشر خلافاتهم، وتنقلها وسائل الإعلام، فما حدث بين جماعة شباب 6 إبريل من اتهامات بسبب محاولة تحويلها لمؤسسة عمل مدنى ينذر بخطر محدق ممن تُنسب إليهم هذه الثورة، ومن مصادر تعجبى أن ما أراه الآن بين مختلف ما يطلقون عليها ائتلافات الثورة يشبه تماما ما كان يحدث بين قيادات مجموعة الأحزاب الكرتونية التى كان مبارك ورجالاته يتباهون بها كصورة للديمقراطية.
كانت تلك الأحزاب تتألف من عدة مئات، وبعد وقت قليل تدب بينهم خلافات ونزاعات بعضها يصل للمحاكم وكثير منها تكون نهايته فى أقسام الشرطة.
وفى ذلك الوقت وحتى الآن نقول إن جهاز مباحث أمن الدولة الرهيب السابق هوالذى كان يتولى تفتيتهم حتى لا تقوم للمعارضة قائمة.. أما وقد تم إلغاء هذا الجهاز وتفتيت كثير من أركانه فمن يا تُرى المسئول الآن عن خلافات شباب الثورة كما يُطلق عليهم؟ هل هو الجهاز المنحل؟ أم فلول النظام البائد الذين يقبع رؤوسهم فى بورتو طرة أم من يكون؟
اعذرنى إن لم أجبك إجابة مريحة للنفس لأن المسئول هم هؤلاء الشباب، وغيرهم، وشيوخ ربوهم، وتربوا على الأنا والفردية ولم يعلموا أجيالاً معنى كلمة العمل الجماعى.
ما سرتُ فى ركبٍ فيما مضى وما أنا بفاعله ذلك الآن، ولهذا ببساطة لن أتملق أو أطبطب على شباب الثورة الذين يشيرون بأصبع اتهام لكل من يخالفهم أو يختلف معهم كبيراً كان أو صغيراً.
أولاً: أرفض أن تكون القاهرة بشبابها الذين خرجوا يوم الخامس والعشرين هم من نعطى لهم كل أو حتى أول الفضل فى الخلاص من حكم مبارك، بل الحق إن ديكتاتورية القاهرة وميدان التحرير هى التى تفعل ذلك حتى أخاف أن يُزور التاريخ لمصلحتها، ناسين أن السويس هى المدينة الباسلة التى كانت أول من قدمت الشهداء وصمدت أمام عنف الشرطة فمنحت القاهرة والتحرير المثل والعامل الدافع للاستمرار.
ثانيا: أنا واحدة من هذا الشعب الذى قَبِلَ ورحب بتوكيل الجيش فى حكمه كفترة انتقالية، وبالتالى قَبلتُ الحكومة التى وضعها لتسيير الأعمال ولهذا لا أقبل هذه الحالة من الضعف أو الاستسلام لأى اعتراض عليها، فأنا وغيرى من الملايين الصامتة أردنا أن نُسقط نظاما، ولا نريد أن نسقط دولة اسمها مصر.
وما يحدث فى مصر الآن كفيل بإسقاط هيبة دول لا دولة واحدة، وللشعب فى الشباب للأسف أُسوة سيئة، نظرة على قنا والمنيا وكلية الإعلام، وعشرات من المواقع فى مصر، تؤكد أن استمرار الحال ومهادنة الحكومة لفكرة وكلمة الثورة، صارت مرادفاً لسقوطها.
قد لا أكون على معرفة بمحافظ قنا وأسباب اختياره، أو حتى المحافظين الآخرين، ولكن حتى لورفضت كل المحافظين فهناك رفض أهم ألف مرة بل ملايين المرات، أنا أرفض أن تُقطع الطرق وتُشل حركة الطريق من الجنوب إلى الشمال، لأن هناك محافظا على غير هوى شعبه، وإعلان الدكتور عصام شرف أنه مستعد للقاء المتظاهرين بعد أيام من الأزمة فيه تأكيد بأن هذا الأسلوب يجدى مع الحكومة، وتلك من ظواهر سقوط الدولة.
ثالثا: أنا أتفهم أن الإعلام مكتوبا ومرئيا يسعى وراء رموز من الشباب ويضع عليهم الضوء ويناقشهم ويسمح لهم بنقاش أصحاب القرار فى هذا البلد، لكنى لا أفهم ولا أقبل أن ينتقل ضعف الحكومة فى التعامل مع الشباب لللإعلامين خاصة أمام الكاميرات حين يتجاوز هؤلاء الشباب مع الكبار سناً وخبرةً فى الحديث ولا ينتفض الإعلامى كما يفعل حين يكون المتحاورون من فئات أخرى، وكأنهم يخافون أن يقال إنهم ضد الثورة، والشباب، أو أى اتهام آخر، ولدى عشرات الأمثلة من ظهور إعلامى لشباب يتميز بالصلافة ويثير المشاهدين ضد هؤلاء الشباب.
وسأشير إلى مثال واحد للقاء نظمه واحد من أكثر الإعلاميين حرفية وتمكن وهو يسرى فودة، الذى استضاف فى برنامجه آخر كلام على قناة أون تى فى مجموعة من الشباب لنقاش وزير المالية حول بعض من رؤيتهم للقوانين الخاصة بالموازنة، وغيرها وللحق لم أجد فى مقترحاتهم ما لم يأت به الأولون، ولكن تميز أسلوبهم بصلف وتجاوز فى مقابل أدب جم فى الحوار، والاختلاف لدى وزير المالية، وللحق أن يسرى فودة المحنك الرائع القوى بدا متساهلاً معهم فى إدارة الحوار على غير قدراته حين يكون ضيوفه من نوعيات أخرى، فإن هذا حال أكثر إعلامينا حرفية وتمكن فما بال حال الأقل شئناً؟!
وأخيرا وليس آخراً نحن لم نتخلص من ديكتاتوريةً كانت تسمح لنا بالكلام والهبهبة دون تغيير، إلى ديكتاتورية تصعُب معها حتى الهبهبة.. ديكتاتورية التحرير!!!!!