◄◄ عمال مصريون وسودانيون ويمنيون وأفارقة يعملون مقابل 200 جنيه إسترلينى أسبوعياً.. وتسعيرة زواج الإقامة 7 آلاف بالتقسيط
فى الحياة كلنا هاربون، فهناك من يهرب من ذكرى أليمة، وآخر يهرب من غربته إلى الحبيبة، وآخر يبحث فى الحياة عن وطن فلا يجد نفسه إلا لاجئا أو هاربا بعد أن ضاقت به السبل.
فى لندن.. «الهاربون كثر»، منهم من ترك الوطن مرغما بعد أن أجبرته السياسة وأزماتها على الرحيل، ومنهم من هرب بحثا عن لقمة عيش سقطت من فم إنجليزى ثرى، فى النهاية كلهم هاربون.. «اليوم السابع» تعرفت على أكثر طرق الهرب قسوة.. خاضت التجربة مع هؤلاء الذين هربوا بتأشيرات مزورة، وفى المغامرة تفاصيل أعمق.
فى مدينة برمنجهام القريبة من العاصمة الإنجليزية واحدة من أهم المدن الصناعية بأوروبا، ولأنها كذلك فإن العمالة الرخيصة مطلب أساسى لأصحاب العمل الذين يبحثون عن مزيد من الربح.
إلى أحد مصانع تغليف المنتجات الغذائية اصطحبتنى صديقتى الفلسطينية للعمل معها كعاملة تغليف مقابل 200 جنيه إسترلينى أسبوعيا، وأخبرت المشرف أننى مصرية «كاسرة تأشيرة»، وهو مصطلح يعنى أن تأشيرة دخولى إلى المملكة البريطانية منتهية وأنى أحتاج إلى العمل لمدة أسبوع واحد حتى أتمكن من حجز تذكرة إلى بلدى.. وبالفعل صدق الرجل روايتنا، وعملت بالمصنع الذى يمثل نموذجا حيا للحياة فى إنجلترا بدون أوراق رسمية.
مع شمس يوم الخميس الثامن من أبريل استلمت عملى فى المصنع كعاملة تغليف.. العمال فى المصنع نوعان.. الأول معه تصريح بالعمل والأغلب الأعم يعمل بـ«الأسود»، أى دون تصريح أو أوراق تثبت شخصيته، ولكنه يحتاج إلى حظ ووساطة وضمانة كبيرة من قبل العاملين الآخرين حتى يلتحق بالعمل مقابل 200 جنيه إسترلينى أسبوعيا لمدة 6 أيام فى الأسبوع، وبذلك يعمل يوما زائدا عن زملائه الحاصلين على تصاريح العمل والذين يعملون لمدة 5 أيام بنفس الأجر.. مع دقات الساعة السادسة صباحا يبدأ العمل فى المصنع بموجب كروت تصاريح العمل والتى تدق يوميا فى ماكينة ختم الكروت والموصلة بشبكة على مكتب العمل الإنجليزى، أما غير الحاصلين على هذه الكروت فيكون لدى المصنع مجموعة من الكروت المجهزة لهم بغرض تسجيل بعضهم على شبكة مكتب العمل، حيث إن كل مصنع له طاقة استيعاب من العمال يجب على صاحب العمل استيفاؤها من خلال الحضور اليومى للعمال، والباقون يدخلون بدون كروت.
«ص.س» صومالية لجأت إلى الحكومة الإنجليزية بعد الهرب عبر ليبيا إلى الساحل الإيطالى، وقد أكدت لهم أنها من ضحايا الحروب الأهلية التى قطعت أوصال الصومال، وجاءت إلى إنجلترا هربا دون أوراق تدل على شخصيتها، الأمر الذى دفع السلطات البريطانية لتحويلها لقوائم انتظار الحصول على اللجوء السياسى، وإلى أن يحدث ذلك فإنها تتقاضى 40 جنيها إسترلينيا أسبوعيا كإعانة لجوء، بالإضافة إلى توفير سكن خاص.
وفق هذه البيانات يقرر اللاجئ نسج قصته، مثل «س.س» وهو شاب مصرى فى بداية العشرينيات دخل إلى إنجلترا بتأشيرة سياحية لمدة 6 أشهر ومع نهايتها سلم نفسه إلى مكتب اللجوء، وهناك أكد لهم أنه طالب فى السنة النهائية فى كلية الحقوق وأن رجوعه إلى مصر يهدد «حياته بالخطر»، هذه الجملة التى إن استطاع صاحبها إثباتها أولا أمام المحامى الخاص به وثانيا أمام السلطات الإنجليزية يحصل على الإقامة.
«س.س» أنهى مقابلته التى استمرت لمدة 45 دقيقة فى حضور مترجم متخصص لديه من الخبرة ما يجعله يؤكد للجنة المشكلة من قبل اللجوء مدى صدق رواية اللاجئ، ليس فقط لكفاءته، ولكن أيضا لحبكة الرواية التى يرويها اللاجئ.
«س.س» انتظر 6 أشهر فى أحد بيوت اللجوء التى يسكن فيها مجانا ويحصل على إعانة من الدولة 40 جنيها إسترلينيا أسبوعيا بالإضافة إلى تأمين صحى شامل وكروت مواصلات داخلية مجانا بشرط أن يعيش فى هذا البيت، والذى فى الأغلب يكون مشتركا مع العديد من اللاجئين المنتظرين لقرار اللجنة دون عمل، وإذا تأكدت السلطات الإنجليزية أنه يعمل خلال هذه الفترة تسحب منه كل هذه الامتيازات، أما فى حالة مرور عام كامل من إبرام المقابلة وعدم الرد على المتقدم بأوراق اللجوء يكون من حق محاميه التقدم بطلب رسمى إلى السلطات الإنجليزية ليحصل على موافقة بالعمل داخل إنجلترا حسب إمكانياته ومؤهلاته.
«س.س» حصل على إقامة، ونظرا لحداثة سنه حصل على منحة دراسية مقابل 3000 جنيه إسترلينى سنويا ولمدة 4 سنوات متواصلة بشرط اجتيازه الامتحانات، بالإضافة إلى حصوله على كل الامتيازات الدراسية فى إنجلترا من سكن ووجبات وكروت مواصلات مجانية، ولكن هذه المنحة مشروطة بأن يسددها من راتبه بعد ما يحصل على عمل بالمؤهل الدراسى الجديد، والذى حصل عليه وفق دراسته فى إنجلترا ويكون من حقه أيضا أن يحصل على الجنسية الإنجليزية بعد 5 سنوات من حصوله على الإقامة بشرط عدم تورطه فى أى قضايا جنائية.
«ذ.م» مصرية دخلت إلى إنجلترا عام 2003 بجواز سفر مصرى عليه تأشيرة سياحية لمرافقة إحدى الأسر المصرية الثرية للعمل كمديرة منزل لهم مقابل 100 جنيه إسترلينى فقط فى الشهر.. هذا الراتب الذى اكتشفت أنه زهيد جدا مقارنة برواتب نظيراتها فى إنجلترا والذى يصل إلى 200 جنيه فى الأسبوع، بعد ثلاث سنوات قررت الهروب تاركة جواز سفرها معهم لتبدأ رحلة جديدة فى البحث عن عمل دون أى أوراق تثبت شخصيتها.. عملت كمربية أطفال مع إحدى اليمنيات المقيمات بجنوب لندن لمدة عام تعرفت خلالها على العديد من اللاجئين وصفوا لها طريقة الحصول على امتيازات اللجوء التى تبدأ من تسليم نفسها إلى السلطات الإنجليزية مؤكدة لها أنها لاجئة، وهنا يبدأ المحامى إجراءاته فى تحديد ميعاد لها لتقص عليهم رواياتها بعد الانتهاء من ترتيب كل الأوراق، وتختلف القصة باختلاف الشخص.
«ذ.م» أكدت أنها فلسطينية من غزة دخلت إلى إنجلترا عن طريق الساحل الإيطالى ومنه إلى فرنسا ومنها إلى إنجلترا فالجنسية الفلسطينية تعتبر مفتاح الفرج بالنسبة لراغبى اللجوء، فالسلطات الإنجليزية تعطى الفلسطينيين حق اللجوء بسهولة، ولكن من حاملى الأوراق التى تثبت جنسيتهم، أما المدعون دون أوراق فتقوم السلطات الإنجليزية بعقد أكثر من مقابلة لهم حتى تتأكد من هوية المتقدم الذى يؤكد أنه فلسطينى ليس لديه أى أوراق بحجة أنها سرقت أو ضاعت أثناء الهرب.
الزواج طريقة أخرى للحصول على الإقامة يلجأ إليها الكثير - نساء ورجالا - خاصة الموجودين فى إنجلترا بشكل شرعى أى بتأشيرة دخول باسم حقيقى صاحبه له بصمة مسجلة عند السلطات الإنجليزية، ولكنه يعيش مهددا بالترحيل بعد تعديه فترة تأشيرة الدخول، مما يجعله يلجأ إلى الزواج الذى يكون إما عن طريق الحب والارتباط، وهذا أمر نادر الحدوث، أو عن طريق محامٍ.
فى مكتبه المتواضع فى مدينة برمنجهام الهادئة يوجد مكتب متخصص للزواج.. يلتف حوله العديد من الشباب والفتيات العرب والأفارقة، فمقابل حفنة من الجنيهات ذات السحر الخاص تتمكن من الحصول على إقامة لمدة 5 سنوات.
تبدأ صفقة الزواج من مكتب المحامى الذى يتقاضى 750 جنيها إسترلينيا كأتعاب مقابل البحث عن عروس، وتحصل العروس وفق قائمة أسعار الزواج فى إنجلترا على 7 آلاف جنيه إسترلينى، منها 2000 جنيه مقدما، والباقى على سنة بواقع نصف راتب الزوج الذى يحصل على إقامة وتصريح بالعمل وفق مؤهلاته لتبدأ رحلته فى العمل لسداد مصروفات الزواج.
«أحمد» شاب من إحدى قرى صعيد مصر تزوج من إسبانية مقابل 7000 آلاف جنيه
إسترلينى، حصل على إقامة لمدة 5 سنوات عمل خلالها فى أحد الفنادق الكبرى فى لندن وسدد ديونه لها وبعدها حصل على الجنسية.. وهذا «حسام» من اليمن حظه التعس لم يكن مثل حظ أحمد، حيث إنه تورط فى زواجه من إنجليزية عن قصة حب، تعرف عليها فى شرم الشيخ وسرعان ما تزوجها وجاء إلى إنجلترا دون أن يدفع شيئا، ألا أنها اشترطت عليه أن لا يكون له حساب بنكى منفصل عنها، وعندما رفض طلبت له الشرطة واتهمته بالتعدى عليها مما دفعه إلى ترك إنجلترا والعودة إلى عمله الأصلى فى السياحة بمصر دون أن يطلقها رسميا، وطلبت منه أن يرجع ليعيشا سويا مرة أخرى، وبعد عام من عودته طلبت له الشرطة بحجة أنه بخيل ولا يريد أن يساهم بشكل أكبر فى مصروفات البيت، خاصة أن زواجه منها هو الذى فتح أمامه باب العمل فى إحدى شركات السياحة الداخلية فى «مانشستر»، ولكنه رفض الاستمرار معها ولجأ إلى المحامى للحصول على الجنسية، خاصة أنه متزوج من إنجليزية وفق القانون الذى يقضى له بالجنسية قبل الانفصال عنها.
الزواج ليس مقتصراً فقط على الرجال فى إنجلترا بل هو وسيلة تستخدمها النساء أيضا، خاصة من يعشن بلا إقامة، فيكون أمامها حل بسيط، هو الزواج صوريا للحصول على الإقامة، ولكن نظرية الدفع لا تختلف من رجل إلى سيدة، فالمبدأ واحد، السيدة تدفع لأحد حاملى الجنسية الإنجليزية، خاصة الأفارقة والعرب والآسيويين الذين يستثمرون حصولهم على الجنسية بعد إقامة لمدة 5 سنوات فى الزواج من سيدات يرغبن فى الحصول على الإقامة مقابل 7000 آلاف جنيه إسترلينى على دفعات أيضا، بالإضافة إلى أتعاب المحامى الذى وجدت فى مكتبه الكثير من النساء فى مقتبل العمر إلى جانب العجائز والفتيات أيضا.
أماكن تجمعات الشباب العرب والأفارقة
مدخل المصنع بمدينة برمنجهام
مسجد بالقرب من المصنع لصلاة العمال المسلمين