هل يجب أن نصفى الحزب الوطنى نهائياً ونجتثه من الأرض أم نتركه بعد أن افتقد القوة التى كانت تجعله فوق الجميع؟ سؤال المرحلة. هناك من يرى ضرورة إنهاء دور الحزب الوطنى الذى أفسد الحياة السياسية، وقضى على أى إمكانات للتطور، الحزب الوطنى ظل طوال عمره تابعاً لإرادة الرئيس، وكان أعضاء الحزب يتحركون مثل عباد الشمس باتجاه الرئيس وحكمته الهامة.
فالرؤساء فى الأنظمة المتسلطة ملهمون يفهمون فى كل شىء، وكلماتهم تتحول دائماً إلى حكمة وفلسفة، وتنطبق نظرية عباد الشمس على الحزب من بدايته ومنذ كان يسمى حزب مصر، حيث أنشأه الرئيس الأسبق أنور السادات، عندما أعلن الانتقال من التنظيم الواحد الاتحاد الاشتراكى إلى الأحزاب المتعددة، واختار اسم حزب مصر تيمناً بحزب أسسه مصطفى كامل فى نهاية القرن التاسع عشر.
كان فيروس السلطة متوطناً فى تركيبة الحزب الذى استقل لنفسه بأهم مقارات الاتحاد الاشتراكى، ومنح كل حزب من الأحزاب الأخرى مقراً أو أكثر لذر الرماد فى العيون، ولم يجرؤ أحد من الأعضاء على أن يقول للرئيس السادات إنه يحول العام إلى خاص.
فضل الرئيس السادات أن تقوم أحزاب المعارضة بقرار وليس بطريقتها، فنشأت أحزاب التجمع والأحرار، وساعد الرئيس السادات فى إنشاء حزب العمل وبعدها سمح للوفد. وكان الرئيس السادات يريد معارضة حسب وجهة نظره، ولهذا عندما حاولت الأحزاب لعب دور المعارضة، طاردها وتعمد كثيراً أن يسخر منها فى خطاباته، لكنه ضاق بضعف حزب مصر، وقرر فى حركة تليفزيونية أن ينزل الشارع السياسى.
وكأنه وهو رئيس الدولة لم يكن فى الشارع السياسى، وأعلن تأسيس الحزب الوطنى الديمقراطى، وبسرعة هرول كل أو غالبية أعضاء حزب مصر إلى الحزب الوطنى، أو إلى حزب الرئيس، وحتى لو كان سماه أى اسم آخر بالقطع كان الأعضاء سيهرولون إليه.
المفارقة أن الرئيس السادات، وهو يقيم الحزب الوطنى أخذ كل مقارات حزب مصر معه، وكانت مخالفة قانونية واضحة لم يعارضها أحد، وظل من بقى فى حزب مصر من أمثال المهندس عبد العظيم أبو العطا أمام القضاء سنوات يطالبون بمقار الحزب الوطنى، وحصلوا على حكم فى بداية التسعينات رفض الحزب الوطنى تنفيذه، وفاوض رئيس حزب مصر جمال ربيع على حل توفيقى يحصل به على تعويض، وحصل حزب مصر على حكم لكن السنوات كانت مرت.
المهم أن أعضاء حزب مصر كانوا مع الرئيس فى الحزب الوطنى، بما يعنى أنهم لا يفرقون بين حزب وآخر إلا بالرئيس، وانتقل الحزب الوطنى بأعضائه بعد اغتيال الرئيس السادات إلى رئاسة نائبه والرئيس بعد ذلك حسنى مبارك.
ولم يفعل مبارك شيئاً ولم يفكر فى النزول إلى الشارع السياسى، ولم يستجب لمطالبات كثيرة بأن يترك رئاسة الحزب ويصبح رئيساً للدولة، لكنه رفض وزين له فلاسفة وترزية السياسة أعماله، ومع أنه بدأ عمله كرئيس فى صورة متواضعة، وبدأ راغباً فى الاستماع للمعارضة، والخبراء عقدوا مؤتمراً اقتصادياً وعدة حوارات سياسية، ضمت كل التيارات السياسية من اليمين إلى اليسار، انتهت إلى توصيات كان من الممكن أن تؤسس لدولة متقدمة، لكن هذه التوصيات أو أغلبها وضعت على الرف.
جرت انتخابات بالقائمة لمرتين أثمرت على مجالس تشريعية كانت إلى حد ما ممثلة للبلد، لكن مبارك مع الوقت وتحت إلحاح ودس مفكريه وترزيته، تحول إلى رئيس ملهم كلماته أوامر وحركاته إلهام. والمفارقة أن عدداً كبيراً من أساتذة الجامعة قانون وسياسية واقتصاد تحولوا إلى عباد شمس فى حضرة الرئيس، رأينا علماء كبار مثل الدكتور مفيد شهاب أو الدكتور فتحى سرور أو الدكتور مصطفى الفقى، وغيرهم من أعضاء الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى.
وكان يمكن لو احترم هؤلاء علمهم أن يساهموا فى بناء نظام ديمقراطى، ويوظفوا خبراتهم فى نظام دستورى وقانونى، يضمن أن يعيشوا فى بلد محترم، لكنهم وظفوا علمهم من أجل الرئيس، ومن أجل ابنه من بعده، رأينا تخريجات قانونية لكل عدوان على الدستور، ورأينا تفسيرات قانونية وأكروبات دستورية، وأصبحنا فى سيد قراره.
تم التلاعب فى الدستور وحياكته ليناسب الرئيس وابنه من بعده، وبقى الحزب الوطنى مجرد جماعة مصالح حتى بعد اختراع لجنة أو أمانة السياسات، لتجمع عدد آخر من الأساتذة وذوى الخبرات، ورأينا من يقول إنه يريد إصلاح الحزب من الداخل أو الخارج، وانتهى الأمر ليتكون تجمع مصالح حول الرئيس وابنه، وكانت التبعية بدرجات واختلافات، وربما لهذا يراهن البعض على أن ينقرض الحزب الوطنى ذاتياً، بوصفه نشأ وترعرع فى أحضان الرئيس والفساد، بينما يرى آخرون ضرورة التخلص من الحزب وفلوله، حتى لا يتحول إلى ثورة مضادة تعيد ابتلاع السلطة.
ولا نعرف من أفسد الآخر أكثر، هل المتحلقون والمنافقون هم من يصنعون الديكتاتور أم هو الذى يصنعهم؟ لكن المشكلة فى باقى الأحزاب أنها أيضاً بدرجة ما تتحلق حول الرئيس وتنتظر إلهاماته، بينما نرى فى العالم المتقدم، كيف يكون وجود الزعيم مرهوناً بنجاح الحزب فى سباقات الانتخابات والشعبية والبرامج، وليس مرهوناً بإلهام وهمى وزعامة أبدية. هل المشكلة فى عبادى الشمس أم فى الرؤساء؟ وفى كل الأحوال.. النتيجة تسلط وتخلف وفساد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة