وقف عم محمد الكمسرى، كعادته، أمام ضريح سيدنا الإمام الحسين، رضى الله عنه، استند بجسده على المقام وأخذ يقبله ويبكى، يهمس بصوت ضعيف "العفو والسماح يا سيدنا العفو والسماح"، يهتز جسده بالبكاء، ثم يقرأ الفاتحة على صاحب المقام.
يجفف دموعه حين يستمع إلى صوت أذان المغرب، فيقول مثلما يقول المؤذن، ثم يصلى ويسلم على أشرف الخلق وعلى آله وصحبه، يذهب ليصلى المغرب، وبعد انتهاء الصلاة اتخذ عم محمد ركناً فى صحن المسجد، وجلس شارداً يفكر ويحدث نفسه: "معقولة عاوزين يهدموا مقامك وضريحك يا سيدنا، معقولة تطاوعهم أياديهم يهدموا أو يحرقوا ضريحا يسكنه جزء من ريحة ونسب حبيبنا المصطفى، صلى الله عليه وسلم، معقولة يتهمونى أنا وملايين من زوار سيدنا الحسين وستنا الطاهرة وغيرهم من الصالحين وآل البيت بالشرك بالله، معقولة ممكن أعدى يوم على شارع الأزهر وملقيش مقام ومسجد سيدنا الحسين، معقولة كل المصريين اللى بيحبوا آل البيت وبيتقربوا لهم بالزيارة من آلاف السنين كفار، "لا إله إلا الله".
عم محمد الكمسرى بهيئة النقل العام يعمل منذ سنوات طويلة على خط إمبابة الدراسة، يمر يومياً على شارع الأزهر ومنطقة الحسين، مهما ثقلت عليه الهموم والمشاكل يشعر براحة غريبة حين يمر على مسجد الإمام الحسين، ويقرأ له الفاتحة يومياً، يعشق كملايين المصريين آل البيت، ويستريح حين يزور مساجدهم ويقترب من مقاماتهم.
لا يمر عليه شهر إلا ويزور مسجد ومقام الإمام الحسين، صلاة وزيارة يشعر بعدها بالراحة وصفاء النفس.
شعر عم محمد بحزن شديد حين سمع أنباء قيام بعض المتشددين بهدم بعض الأضرحة وحرقها، وتهديداتهم بهدم كل الأضرحة، بما فيها ضريح الإمام الحسين والسيدة زينب والسيدة عائشة، وحين وقف هذه المرة أمام ضريح الإمام الحسين لم يتمالك نفسه وغلبته الدموع والشعور بالخجل، وقف ليطلب العفو والسماح من حفيد رسولنا الكريم، على ما بدر من بعض المتشددين من تهديدات.
جلس بعد الصلاة يحدث نفسه قائلا: "أنا راجل مسلم وموحد بالله بحافظ على الصلاة والصيام، باصلى فى الحسين وفى البيت والشغل وفى أى مكان، ووقت باسمع فيه الأذان، يعنى مش باصلى بس فى الحسين ولا ليه، أنا باصلى لله، لكن بحب الحسين وآل البيت، وبارتاح لما أقعد فى حضرتهم، باحس إنى قريب من ريحة حبيبنا المصطفى، يبقى كده أنا كافر، بحبهم زى ملايين غيرى لأنهم حبايب سيدنا النبى، وعارف إنهم بشر، لكنهم خير البشر ومن نسل خير البشر.
وأنا بأصلى فى مساجدهم أو فى غيرها بنطق الشهادة وأقول أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأقرا الصمدية وأقول "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد"، يبقى كده أنا كافر، حتى لما بأقرب من المقام وأبوسه وأتمسح بيه بأبقى نفسى أحضن صاحب المقام وأشم ريحه الطيبة، طيب ما أنا محتفظ بجلابية أبويا الله يرحمه، ولما بشتاق له باجيبها أبوسها وأحضنها علشان أحس إنه قريب منى، وسيدنا الحسين وكل آل البيت أحسن منى ومن أبويا، يبقى لما أتقرب منهم وأحبهم وأتمسح بيهم أبقى كافر ومشرك، أنا وغيرى من الفقراء ومن محبى آل البيت والصالحين بنتصبر بزيارتهم عن زيارة مسجد سيدنا النبى، لحد ما ربنا يكتب لنا زيارته، يبقى كده إحنا كفرة.
اللى بيقولوا كده بيفتكروا إننا وإحنا بندعى أو بنبكى أمام الضريح إننا بنوسط بشر بيننا وبين ربنا، طيب ما هو ساعات الواحد بيقف قدام قبر أبوه ويناجيه، ويشكى له همه ويحس براحة بعدها، يبقى كده هو بيعبد أبوه من دون الله، يا ناس فيه فرق بين الحب فى الله والشرك بالله، بيقولوا إن الصلاة ما تنفعش فى مسجد فيه قبر، طيب ما الضريح فى أوضة منفصلة وحواليه سور، وأنا سمعت الشيخ الشعراوى بيقول، إن القبر هو المكان اللى فيه الجثة، والجثة فى كل الأضرحة موجودة داخل المقصورة ومعنى كلمة مقصورة، زى ما قال الشيخ الشعراوى، إنها مقصورة على الدفن، ولا تتعداه، يعنى اللى بيقولوا نهدم أضرحة الأولياء والصالحين ممكن بكره يقولوا نهدم قبر الرسول علشان موجود فى المسجد النبوى، أعوذ بالله، معقولة تكون دى أخلاق المسلمين، يعتدوا على القبور اللى ربنا وصّانا باحترامها واحترام حرمة الأموات، يبقى نحرق ونهدم قبور أشرف الخلق وأطهرهم ونعتدى على المساجد اللى فيها الأضرحة، إذا كان المسلمون لما دخلوا مصر سابوا المقابر بتاعة الفراعنة والآثار وما حدش قال نهدمها، ولا نمنع زيارتها، يبقى إحنا نعمل كده فى أضرحة الأولياء والصالحين، يعنى هما اللى عاوزين يهدموا الأضرحة غيروا كل المنكر وصلحوا البلد ومش فاضل غير الأضرحة، طيب يروحوا يشوفوا بنات الشوارع، ويستروهم ويحموهم ولا الناس اللى مش لا قية تاكل، أنا وغيرى حتى لو فى زلة لسان قلت شىء لله يا سيدة زينب ولا يا حسين ولا يا سيد يا بدوى بتبقى نيتى سليمة، وعقلى عارف إن ربنا واحد، وهو مجيب الدعاء، وبامد إيدى وأدعى فى كل مكان.
وبعدين لو الجماعة دول شايفين إن الناس اللى بتزور الأولياء بتعمل حاجة غلط طيب ينصحوهم، مش الدين النصيحة، ولا هما عاوزين يفرضوا رأيهم وحكمهم بالقوة".
يقوم عم محمد، ويذهب مرة أخرى باتجاه المقام، وهو يهمس: "أنا مش كافر وكل الناس اللى بتحبك يا سيدنا وبتحب كل آل البيت كرامة، وحب لحبيبنا وسيدنا المصطفى مش كفرة، واللى قلوبهم وأياديهم تطاوعهم إنهم يمسوا مقامات آل البيت والصالحين بسوء هما اللى ما عندهمش بصر ولا بصيرة وقلوبهم وعقولهم عمياء".
يقترب عم محمد من المقام ويقبله مرة أخرى مردداً "العفو والسماح يا سيدنا".
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة