تخيلوا معى صبحى صالح القيادى بجماعة الإخوان وعبد المنعم الشحات المتحدث الرسمى باسم الدعوة السلفية وأسامة حافظ المتحدث الرسمى باسم الجماعة الإسلامية يقومون بأدوار فتحى سرور وأحمد عز وزكريا عزمى فى البرلمان المقبل، حيث يعزف الثلاثة ومن ورائهم كتلة ميكانيكية من الأعضاء المأمورين بالسمع والطاعة نغمة واحدة، نريد تطبيق الشريعة ، نريد تطبيق الفرائض والحدود التى نص عليها صحيح الدين، نريد أن نحكم بشرع الله ، وكأنهم اكتشفوا فجأة أننا مجتمع جاهلى وكأن شوارعنا لا تزخر ببيوت الله وبين كل مسجد ومسجد مسجد جامع ، بينما البلد تغرق شيئا فى شيئا فى مستنقع البطالة والديون والكساد، ويتآكل الاحتياطى النقدى ويهرب المستثمرون وتتحول الأهرامات الثلاثة إلى جبال تورابورا يزعق عليها كل من يسمح لنفسه زورا وبهتانا بالحديث باسم الله!
تخيلوا معى الحاج "صبحى" يطالب بالعصمة إضافة إلى الحصانة، يحملها مشايخ مجلس الشعب المقبل، انطلاقا من أطروحته الشهيرة حول توحيد التيارات الإسلامية والإسلام، ومن ثم فإن كل انتقاد للتيارات الإسلامية ، يعنى طعنا صريحا فى الإسلام، وكل هجوم على هرتلات وإدعاءات وأوهام وسذاجة رموز هذه التيارات، هى جريمة تستوجب العقاب باعتبارها تجريحا فى أولياء الله المتحدثين باسمه، بل قد يصل الأمر بالحاج صبحى إلى إخراج منتقدى رموز هذه التيارات من الملة والطعن على صحيح إسلامهم!
عندما قرأت مؤخراً تصريحات قياديى تحالف التيارات الدينية، الذى يتزعمه الحاج "صبحى" ،بعد أن فتح الله عليه وتم اختياره فى لجنة تعديل الدستور، تذكرت المفكر الإيرانى الشهير على شريعتى ورسالته صغيرة الحجم عظيمة النفع "النباهة والاستحمار" ، فى هذه الرسالة يوضح المفكر الراحل مدى التشابه بين منهجين فى التفكير كلاهما يؤدى إلى إفقار البلدان العربية والإسلامية، الأول هو المنهج الغربى الذى يحتقر كل ما هو شرقى استنادا على النظرة الاستشراقية الاستعمارية البغيضة، والمنهج الثانى تقليدى إتباعى جامد لا يرى دعاته ،إلا ما تحت أقدامهم ، ويمثله بامتياز رجال الدين الأصوليون
يوضح المفكر الراحل كيف يؤدى كلا المنهجين إلى طريق بعيدة عن الحضارة حتى وإن أدى أحيانا إلى مدنية هشة، كما هو الحال فى النموذج الغربى المنقول فى بعض البلاد العربية لأن كلا النموذجين يقوم على التجهيل والإلهاء، دفع الجموع الغفيرة إلى الجهل والغفلة، وتقديم الجزئيات الصغيرة على المهام الكبرى الكفيلة بإصلاح المجتمع ، وعلى تأكيد الوعى بالحقوق الأساسية ومن ثم تتحقق آلية "الاستحمار" غير البعيدة عن الاستعمار، ويتساوى فى ذلك ،إذا كان قادما من الغرب أو منبعثا من داخل البلاد!
ولذلك كان "شريعتي" يأخذ على رجال الدين الأصوليين إغفالهم الحقوق الفردية والمجتمعية وتوجههم نحو التنميط بهدف السيطرة، ويسرد فى ذلك حوارا لطيفا بينه وبين أولئك الأصوليين دعاة "الاستحمار" وبين سواهم من دعاة التغريب، فكلما سألهم عن المجتمع القادر على بناء الحضارة، ردّ عليه الفريق الأول بعبارات من قبيل "الحمد لله الذى خلق أذاننا فى مواضعها ولم يخلقها تحت أباطنا، فكيف كنا سنسمع لو كانت أذاننا تحت أباطنا ؟" وردّ عليه الفريق الثانى بضرورة نقل المظهر الغربى بحذافيره حتى يتحقق التقدم فى البلاد الإسلامية!
كان شريعتى إذن يدافع عن مبدأ "النباهة النفسية والاجتماعية" لدى الفرد والمجتمع، فبدون هذا المبدأ، لن تقوم حضارة ولن يتحقق تقدم، فكيف يتحقق تقدم والمجتمع مفكك ومتوزع ، متصارع متشاحن ،مريض بالطائفية والعنصرية والتمييز، كيف تتحقق حضارة والفرد لا ينظر إلا تحت قدميه أو رأسه متجه إلى الخلف بينما قدماه تتخبط إلى الإمام؟.
فى حالتنا الراهنة لم يعد لدينا أصوات تطالب بـ "الاستحمار" الغربي، وإن كانت الأصوات الداعية للاستحمار وفق تفسيرهم الأصولى لكتاب الله كثيرة ومتعددة، وأنا بدورى أسأل تحالف التيارات الدينية ورجالة الذين يدعون العصمة زورا، ماذا ستفعلون بعد تطبيق شرع الله حسب تفسيركم، والعام عام "رمادة" والبطون خاوية؟
ماذا ستفعلون إذا طبقتم شرع الله وإنهار المجتمع وتفكك إلى طوائف وملك ونحل وجماعات وميليشيات مقتتلة ؟ على من ستطبقون شرع الله؟ على الأرض الخراب، على المهاجرين الفارين من البلد كما دعا أحدكم؟
ماذا ستفعلون فى قضايا الديون الخارجية والبطالة والاستثمارات الهاربة والسياحة المضروبة؟ وكيف ستتعاملون " مرغمين" مع البنوك الدولية الربوية فى التبادلات التجارية؟
ماذا ستفعلون فى المواثيق والعهود الدولية التى وقعت عليها مصر والتى تكفل الحريات والحقوق الأساسية التى لا تعرفون أنتم عنها شيئا؟.
ماذا ستعملون عندما تنتهون من تطبيق شرع الله حسب تفسيركم على بلاد معزولة مفلسة ،بشرها هاربون أو خائفون، عاطلون جائعون، هل تعتبرون أن مهمتكم انتهت عند ذلك الحد ؟ ألا تتدارسون التجربة السودانية مثلا ؟ وهل تعتقدون أن فى ذلك مرضاة لله ورسوله؟ "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا "الكهف 103" صدق الله العظيم
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة