سوف يتجرع الذليل المخلوع (من رئاسة المحروسة) الكثير من كؤوس المرارة والحنظل، وسوف يشرب نائبه من نفس الكؤوس الحنظلية، لأن التاريخ لن يذكر لكليهما ما يشفع لهما فى لحظة الحساب ومراجعة كتابى سيئاتهما فى أى أمر من الأمور، حتى فى القضية الرئيسية للأمن القومى المصرى (والعربى المعروفة بقضية فلسطين)، فالمصالحة بين "فتح" و"حماس" لم تتم على أيديهما بالرغم من الليالى السوداء التى سهراها ليتمما هذه المصالحة، تلك المصالحة التى كانا قد اقتربا كثيرا من إتمامها.
وهاهى تتم على أيدى رجال ما بعد حكم الذليل المخلوع دون أن يبذل أحد هؤلاء الرجال أى مجهود إَضافى يذكر لإتمام هذه المصالحة التى تمت بناء على تفاهمات "عمر سليمان" نائب المخلوع فى رحلاته المكوكية (تحت سمع وبصر إسرائيل) إلى "غزة" حيث كان "إٍسماعيل هنية" يقابله بالأحضان والقبلات ولا يعطيه إلا الأحضان والقبلات فيرجع إلى رئيسه (المخلوع) بخفى "خالد مشعل"، فلماذا لم تتم المصالحة فى عهد المخلوع، وتمت فى عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى عهد ما بعد المخلوع؟ والإجابة عن هذا السؤال بسيطة بساطة الكلمات العذبة باللغة العربية الفصحى السليمة جدا التى يجيدها الدكتور "عصام العريان" المتحدث الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر، التى قدمت أولى هداياها الضخمة لرجال العهد الجديد فى مصر عربون صداقة وبداية علاقة جديدة تتسم بالتفاهم والمودة، لاسيما أن رجال العهد الجديد فى مصر كانوا قد قدموا عربون المحبة مقدما بالإعلان عن فتح معبر رفح كمؤشر شديد الأهمية على نوعية العلاقة الجديدة بين "حماس" والعهد الجديد فى مصر.
كل من يتابع الشأن الفلسطينى سوف يرى بمجرد نظرة بسيطة لإتمام هذه المصالحة الآن سوف يرى بصمات الإخوان المسلمين، بل سوف يرى يد الإخوان المسلمين فى مصر وهى تمتد لمصالحة رجال العهد الجديد فى مصر، المصالحة (الفتحاوية الحمساوية) هى أولى بركات المصالحة بين "الإخوان المسلمين" و"رجال العهد الجديد" فى مصر، حيث يتابع العالم "أهم إنجاز تاريخى لمصر بعد الثورة والفصائل الفلسطينية توقع وثيقة الوفاق الوطنى" كما قالت جريدة الأهرام المصرية بالحرف الواحد فيما ظهر عدو الأمس القريب "محمود عباس/ أبو مازن" و"إسماعيل هنية/ أبو العبد " متصافحين ومبتسمين على صدر الصفحة الأولى للأهرام التى اعتبرت أن المصالحة هى "أهم إنجاز مصرى- فلسطينى- عربى خلال فترة ما بعد الثورة" وهو كذلك بالفعل، شريطة أن ننسب الفضل لأصحاب الإنجاز الحقيقيين (الإخوان المسلمين) كعربون مودة مع الوزير "مراد موافى" مدير المخابرات المصرية العامة بعد مساهمتهم فى التخلص من "عمر سليمان" النائب (السابق) مع رئيسه (المخلوع)، وكانت كل التقارير الصحفية فى زمنه تؤكد على أن الولايات المتحدة ترسل برسائلها إلى مصر مفادها أنها لا تؤيد إجراء اتفاق مصالحة بين حركتى "فتح" و"حماس" لأن من شأنه أن يقوض المفاوضات مع إسرائيل.
كان المبعوث الأمريكى الخاص إلى الشرق الأوسط "جورج ميتشل فى كل مرة يلتقى فيها "عمر سليمان" فى القاهرة يؤكد له "إن الولايات المتحدة لن تدعم اتفاق لا يتماشى مع مبادئ اللجنة الرباعية"، وكان "جورج ميتشل " قد تناول العشاء عدة مرات فى القاهرة مع رئيس المخابرات المصرية (آنذاك) اللواء "عمر سليمان" ولم يصن العيش والملح والكباب والكفتة فى مطعم "أبو عادل الكبابجي" الذى يعتبر اللواء السابق"عمر سليمان" من أهم زبائنه، وقد أكد كبار مسئولى الإدارة الأمريكية كثيرا للمسئولين المصريين فى العهد البائد أن الولايات المتحدة تتوقع من أى حكومة فلسطينية جديدة بأن تلتزم بشروط اللجنة الرباعية التى تتضمن الاعتراف بدولة إسرائيل، والاعتراف بالاتفاقات السابقة ونبذ الإرهاب، (كان وزير الخارجية المصرى فى العهد البائد غير المأسوف عليه "أحمد أبو الغيط" يهلفط كثيرا بمثل هذه التصريحات على لسان رئيسه المخلوع).
وكانت "السلطة الفلسطينية" "وحماس"، سابقا فى عهد ما قبل تفاهم الإخوان المسلمين مع رجال العهد الجديد فى مصر، قد تبادلتا الاتهامات حول التهرب من توقيع اتفاق المصالحة الذى يفترض أن ينهى حالة الانقسام الفلسطيني، عندما قال "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسى لحركة "حماس" وهو فى دمشق، أن الوقت غير مناسب لإتمام المصالحة الفلسطينية وأنه "لا مصالحة دون تحقيق شرطين: هما ترتيب البيت الفلسطينى بناء على إرادة الشعب واختياره دون تزوير، والتوافق على برنامج سياسى وطنى وقرار واحد... إن حماس أرادت بالمصالحة، العمل على نزع الذريعة التى على أساسها تجوع غزة وتقمع الضفة الغربية، مؤكدا أن المصالحة تحتاج لآلية وتوقيت جديدين"، وطالب "خالد مشعل" دائما ببناء مرجعية وطنية جديدة من خلال إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لكى تكون قيادة حقيقية أمينة ومخلصة تمثل مصالح الشعب، حتى لا ينفرد أحد بمصير القدس المحتلة ولا بحق العودة والأرض والموقف من الاستيطان، ومع أن كل شروط "حماس" التى جاءت على لسان "خالد مشعل" لم يحدث أن تحقق أى منها، إلا أن (المصالحة) قد تمت وفرح الفلسطينيون من جميع الأطياف.
ربما يستهلك هذا الفرح كميات كبيرة من صوان "المنسف" ولحم الضأن اللذيذ على الطريقة الفلسطينية الفلكلورية، بالرغم من أننا هذه الأيام فى وضع لا يسمح لنا بالتواجد حول واحدة من صوان المنسف، فإننا سوف نعلن عن فرحنا (المشوب بالحذر) بهذه المصالحة التاريخية (ربما سوف تكون مجرد مصالحة تاريخية تحكى كتب التاريخ للتلاميذ الفلسطينيين عن أسباب فشلها، واللهم خيب ظننا)، غير أن فرحنا المشوب بالحذر يدفعنا للعودة (فلاش باك) للبديهيات الأولى التى جذرت هذا الخلاف بين حبايبنا فى "حماس" وأهلنا فى "فتح"، فالخلاف قديم، قدم تكوين كل منهما منذ نشأة "فتح" على يد الزعيم التاريخى "ياسر عرفات" فى أوساط الطلبة الجامعيين، والذى كان منتميا إلى الإخوان المسلمين فى بداياته الأولى ومنتظما فى دفع الاشتراك السنوى بحرص شديد على الاحتفاظ بالإيصالات التى تفيد بدفع الاشتراك.
ويؤكد على انتمائه للإخوان، وبعد ذلك انتقلت الحركة إلى الكويت، وكانت تدعو، الشباب الفلسطينى إلى الاعتماد على نفسه وأخذ زمام المبادرة للعمل على تحرير فلسطين، وسط تيارٍ قومى (ناصري) يركز على الوحدة العربية طريقاً للتحرير، وتيارٍ (إسلامي) يدعو لقيام الدولة الإسلامية طريقاً للجهاد وتحرير الأرض المقدسة، حيث كان الهدف فى ذلك الوقت تحرير أراضى الـ 48 فاعتمدت حركة "فتح" على شباب الإخوان المسلمين فى فلسطين، مستفيدة من أجواء الضربة ضد الإخوان المسلمين فى مصر فى عام 1954، وكان منهم "خليل الوزير/ أبو جهاد، و"عبد الفتاح الحمود"، و"محمد يوسف النجار/ أبو يوسف، و"سليم الزعنون/ أبو الأديب"، ويوسف عميرة، ومحمد غنيم وغيرهم، ومع تشكيل تنظيم الإخوان الفلسطينيين فى قطاع غزة (عام 1960 ) وتنبه حركة "الإخوان المسلمين" فى الضفة الشرقية والضفة الغربية (الأردن) إلى تجريف "فتح" لشباب الإخوان، بدأت "المفاصلة"، أى الالتزام إما بمنهج "الإخوان المسلمين" أو بمنهج "فتح"، وكان هذا أول فتيل يشتعل بين الحركتين، بعد ذلك جرت المياه طبيعية فى النهر، وجرى تفاهم مشترك عام 1968 على إنشاء قواعد الشيوخ فى شمال الأردن وخوض معارك ضد الاحتلال الإسرائيلى حيث كان "الإخوان المسلمون" يعتبرون أنفسهم سابقين لفتح (وهم كذلك بالفعل) بالعمل الجهادى فى حرب الـ 48 بقيادة "كامل الشريف" و"معروف الحضرى" وغيرهما، ابتداء من قطاع غزة وصولا لبيت لحم وحتى مشارف القدس، بينما كانت حركة "فتح" تعتبر نفسها (وهى كذلك بالفعل) السباقة فى إطلاق الرصاصة الأولى فى كانون ثانى 1965وعندما انطلقت الانتفاضة الأولى فى عام 1987 نزل الإخوان المسلمون فى "قطاع غزة" للشارع، وبعد ذلك فى "الضفة الغربية"، ثم انضمت "فتح" وبقية فصائل "منظمة التحرير" فى عام 1988 تحت راية "القيادة الموحدة" للانتفاضة، بينما لم يكن من الممكن أن تنضوى "حماس" تحت راية "القيادة الموحدة" لأسباب يطول شرحها (قيل يومها أن ميثاق "حماس" يركز على إزالة الاحتلال الإسرائيلى من كل أرض فلسطين باعتبارها "أرض وقف إسلامى").
كان تركيز حركة "فتح" على تحرير أرض الـ 1967 بعد اعتراف "فتح" ومنظمة التحرير بقرار 242 فى 1988، ثم "مؤتمر مدريد"، ومن بعده اتفاقية "أوسلو" وانفجار الصراعات المسلحة والتصفيات الجسدية والاعتقالات المتبادلة بين الطرفين فتوسعت وتجذرت شقة الخلاف بين "فتح" و"حماس"، وعندما فازت حركة "حماس" بانتخابات التشريعى فى عام 2006، رفضت "فتح" وفصائل "منظمة التحرير" المشاركة فى الحكومة، واتهمت "فتح" بالتخطيط مع "دايتون" للإطاحة بحماس من قطاع غزة، وبمشاركة النظام المصرى الفاسد بقيادة الرئيس السابق (المخلوع) والاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة، وإسرائيل، وتم تبادل الاتهامات بالفساد والخيانة والعمالة فى محاولات مستميتة (ومبتكرة أحيانا) من الطرفين لتشويه الطرف الآخر، وليس صحيحا أن الخلاف الفتحاوى الحمساوى مدته أربع سنوات فقط، بل هو خلاف منذ النشأة الأولى وعيب خلقى منذ الولادة من رحم واحد وإن كانت الولادة فى كلتا الحالتين تمت فى زمنين مختلفين فى طبيعة الأمور وفى طريقة قطع الحبل السرى فى حالة "فتح" وتثبيت الحبل السرى فى حالة "حماس".
الآن وقد جرت مياه كثيرة فى النهر الفلسطينى والنهر العربى وتحديدا المصرى والسورى، ففى حين تشهد المياه المصرية تقاربا وتفاهمات مصرية بين رجال العهد الجديد والإخوان المسلمين (الرحم الأصلى) فإن المياه السورية تشهد (أو سوف تشهد قريبا) تباعدا واختلافات بين النظام السورى الحالى والإخوان المسلمين (الرحم الأصلى) تحت سنابك المدرعات والادعاءات الدائمة بوجود مؤامرة إرهابية (كما حدث فى حماة سابقا)، والآن فإن الإخوان المسلمين فى مصر (لطمأنة رجال العهد الجديد) فإنهم يرفعون شعار (الدولة المدنية) وبالتالى فإن "حماس" لن تتنكر لهذا الشعار مع رجال العهد الجديد فى مصر، وسوف يكون اقتراب "حماس" من المصريين بنفس القدر فى ابتعاد "حماس" عن السوريين لاسيما أن نظام الحكم فى سوريا لم يطلق رصاصة واحدة فى الجولان المحتلة ناهيك عن تحرير فلسطين، وسوف تبقى المصالحة الفتحاوية الحمساوية مرهونة بسياسات الإخوان المسلمين (الرحم الأصلى) فى كل من مصر وسوريا، فإذا استمرت المصالحة الإخوانية المصرية فالمصالحة الحمساوية الفتحاوية مستمرة، لاسيما أن النظام الحاكم فى سوريا لم يعد قادرا على الهلفطة النضالية والمتاجرة بقضية فلسطين لدخوله (المنتظر قريبا) فى الصراع الدامى مع الإخوان المسلمين الذين تجسد دورهم الفاعل فى الثورة المصرية وقد خرجوا منها بمكاسب حقيقية ربما تجعلهم يعيدون النظر فى كل تكتيكاتهم السياسية بالانخراط الحقيقى فى الجهود السلمية (التفاوضية) التى سوف تؤدى لقيام الدولة الفلسطينية، وبما أن الإخوان المسلمين فصيل وطنى قدم الكثير للوطن وللقضية الفلسطينية ومن حقه الاشتراك الكامل فى إدارة كل أمور الوطن تبعا لحجمه الحقيقى وبالوسائل المدنية فى دولة مدنية فإننا نقول لهم أهلا وسهلا بكم شركاء مع الجميع فى صنع الحياة حتى ولو كانت تفاهماتكم وشعاراتكم بعد الثورة المصرية مجرد مناورة سياسية فقد قدمتم لفلسطين بهذه المصالحة أملا حقيقيا فى إمكانية الوحدة الحقيقية للشعب الفلسطينى من أجل استرداد أرضه وعودة كل أبنائه من المنافى، لتصبح الدولة الفلسطينية جديرة بأن تحمل اسم فلسطين، لقد قدمتم (أملا) حتى ولو كان مجرد مناورة سياسية، لكنكم لم تقدموا مصالحة حقيقية تؤدى لوحدة حقيقية للشعب الفلسطينى فقط قدمتم (أملا فى وحدة الشعب الفلسطينى) ونحن نشكركم على (الأمل) وننتظر تأكيداتكم على أن ما قدمتموه ليس مجرد مناورة سياسية.