منذ حوالى عامين كنت أنهى أوراقاً فى أحد دواوين الحكومة, وككل الناس كان علىّ أن أدفع المعلوم لأنهى ما أريده، وللحق كان هذا الأمر يثيرنى بشدة ولكن ما من وسيلة أخرى لإنهاء الأعمال إلا بدفع المعلوم أو الشاى أو أى تسمية أخرى، ولكن لأنى أحيانا أزعم الجهاد فى سبيل القيم وما أتصوره حقا, فقررت ألا أدفع وأن أناقش صراحة الموظف فيما اعتبره حق الشاى, فرد علىّ بإجابة بدت له ولىّ فصل الخطاب حين قال: واشمعنى أنا، البلد كلها بتاخد الشاى من الكبير للصغير هى جت علىَّ؟؟!!! تذكرت هذه القصة البسيطة دائمة التكرار حين كنت أمر منذ أيام فى شارع الجلاء أحد شرايين القاهرة الحيوية وما يطلقون عليه شارع الصحافة.. فوجدت صاحب عربية كارو كبيرة جداً يضع عليها «خوخ» يقف فى قلب الشارع, عادى جدا.. ويرتب بضاعته وينتظر المشترى, والأوتوبيسات العامة والخاصة الكبيرة تحاول عبثا البحث عن مخرج وطبعا التكدس يزداد بين السيارات الصغيرة, والرجل كأنه فى عالم آخر لا شىء يؤرقه فتحركت طبيعتى المزعجة لى وللآخرين وسألت الرجل ليه كده؟؟ فرد علىّ تماماً كالموظف الذى سبق الإشارة إليه «هى جت علىّ اشمعنى أنا؟ البلد كلها بتعمل اللى عايزاه لأن الشعب يريد!!!» فكانت جملته فصل الخطاب فما أشبه الليلة بالبارحة رغم أن المفروض أن الليلة غير البارحة إلا فى أن الشعب يريد...!!
الشعب يريد خروج مساجين فى قضايا جنائية فيغلق شارع القصر العينى وبالتالى القاهرة الكبرى لأن الشعب يريد!
الشعب يريد تحقيق الوحدة الوطنية فيغلق طريق الكورنيش وما يحيطه من شوارع كثيرة أخرى لأن الشعب يريد!
الشعب يريد خلع المحافظ فيغلق طريق الوجه القبلى ويخلع قضبان السكك الحديدية!
الشعب يريد حق أطباء وزارة الصحة فتغلق المستشفيات ويخرجون علينا فى الفضائيات ليقولون إفكاً: إن هذه ليست طلبات فئوية, لكن الشعب يريد!
وأنا أزعم أننى واحدة من هذا الشعب شكلاً ومضمونا ولهذا أعلن أنى كفرت مما يريد الشعب الشقيق وأريد بدلاً من أن يتظاهر العمال ليزيدوا مرتباتهم أن يزيدوا من دوريات العمل.
أنا واحدة من الشعب الشقيق وأعلن أنى لا أريد تحرير فلسطين قبل أن أحرر مصر وشوارعها وحواريها وأزقتها من العشوائية والقبح بالعمل.
أنا واحدة من الشعب الشقيق وأعلن أنى لا أريد أن أرى مشايخ وقساوسة على شاشات التليفزيون ولا فى أى مكان إلا المساجد والكنائس وأن يدوروا فى النجوع والقرى والحارات الفقيرة ليعلّموا الناس طقوس دينهم بعد أن شاهدت فى مكة والمدينة أثناء أدائى العمرة نساء لا يعرفن كيفية إقامة الصلاة وأبسط طقوس الديانة الإسلامية وأظن أن هذا هو حال كثير من المسيحيين الذين يصرخون الآن دفاعاً عن الصليب.
أنا واحدة من الشعب الشقيق ولكنى كفرت لهذا، لا أريد ساحات الهايد بارك الليلة على الشاشات المصرية والتى تأتى لنا بأصحاب الفتاوى السياسية والدينية والقانونية والتاريخية وأريد بدلاً من زيادتها بحافظ الميرازى وحمدى قنديل وهالة سرحان ومحمود سعد وبلال فضل وإبراهيم عيسى وغيرهم أن يزيدنا القائمون على الإعلام المرئى بحلقات لتوم وجيرى وصراعهما الأبدى الذى أبدعه والت ديزنى منذ عقود، علّ الشعب الشقيق يتعلم منهما أن الذى يريد عليه أن يعمل قبل أن يريد حتى يصل لما يريد، فمتى يكون الشعب الشقيق مثل توم وجيرى، صراع بعمل، ثم يريد، لأنى كفرت من شعب يريد!!!!!!