بالطبع.. الشعب المصرى طيب، ولا يحب الشماتة والانتقام، وعلى هذا الأساس تصور الذين طرحوا فكرة العفو عن الرئيس السابق وعائلته وقبول اعتذارهم طالما تنازلوا عن ثرواتهم التى كونوها بطريقة غير مشروعة.
القضية كانت وجبة رئيسية على برامج التوك شو، وشغلت الرأى العام لساعات مساء أمس.. لكن المثير أن أحدا لم يطرح الفكرة بشكل مباشر.. وإنما سارت بين الناس والإعلام وأصبحت وجبة رئيسية فى نميمة المساء.. كما أنها كانت موضوعا لإعلان الغضب على الفيس بوك وتويتر، حيث أعلن المئات وربما الآلاف رفضهم لأى عفو باعتبار أن القضية ليست مجرد مال لكنها تتعلق بفساد سياسى واسع ومسئولية سياسية واسعة تتعلق بالكثير من التفاصيل عن تعطيل وتجميد مصر لعشر سنوات على الأقل من أجل نقل الحكم لجمال الابن.
والحقيقة أن الفكرة نفسها لم تأت من فراغ، ولكنها بنيت على قضيتين واضحتين، الأولى توكيل سوزان ثابت، زوجة الرئيس السابق، لمحاميها بالتنازل عن ثروتها مقابل العفو عنها، وهو ما بدا من قرار النائب العام بالقبول، وفى نفس اليوم صدر قرار محكمة جنح مستأنف بالإفراج عن زكريا عزمى، رئيس الديوان السابق، بكفالة 200 ألف جنيه، فى الاتهامات بتضخم ثروته، بعد يوم من الإفراج عن فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب السابق، قبل إعادة حبسه فى تهمة أخرى تخص موقعة الجمل.
الظاهر من هذا أنه يقوم على القانون، الذى يسمح بالإفراج عن المتهم، طالما اطمأنت المحكمة لثبات الأدلة، وعدم التلاعب فى القرائن، لكن فى حالة زكريا عزمي، هناك احتمالات للتلاعب فى الأدلة.. ثم إن الحيثيات اعتبرت الهدايا التى تلقاها عزمى من زعماء وشخصيات عربية، لاتدخل فى إطار الكسب غير المشروع بالرغم من أن هناك قواعد قانونية تمنع الرؤساء من الاحتفاظ بهدايا أكثر من قيمة محددة.. لا تتجاوز 500 جنيه، فمابالنا برئيس الديوان، الذى تأتيه الهدايا بصفته وليس بشخصه.. وبالتالى فإن من حق الدولة أن تسترد قيمة الهدايا لكونها حقًا للدولة.
وبالعودة إلى فكرة العفو والتسامح مع الماضى، فلا يمكن الحديث عنها الآن ولاتزال ثروات الرئيس السابق وأسرته غامضة وغير محددة، وهناك أرقام متضاربة وتفاصيل مختلفة حول الثروة.. التى بلغت مليارات أو مئات الملايين وهى أرقام لا يمكن تصور كونها جاءت من مصادر مشروعة.
ثم إن المحاكمة لا تعنى الإدانة المسبقة لكنها تعنى أن يعرف الشعب كيف كانت مصر تحكم وماجرى فى "الصندوق الأسود" للنظام خلال عشر سنوات تحولت فيها مصر إلى ملكية خاصة يجرى التحكم فى مصائر مواطنيها دون قواعد.
ومع افتراض حسن نوايا بعض من يطالبون بنسيان الماضى، والنظر للمستقبل. فإن المحاكمة السياسية للرئيس السابق وطاقم السلطة من حوله يمكن أن يقدم معلومات تضىء المستقبل وتمنع تكرار هذا النظام الذى لم يكن له ملمح محدد ويرتبط بشخص واحد معرض للمرض والخطأ، والفساد أيضًا.
ولا يمكن اعتبار كل من رفض فكرة العفو دمويا أو راغبا فى نصب المشانق، ولا ينفى كون المصريين متسامحين ومعتدلين ويحبون العفو.. لكن هناك فرقاً بين العفو والتسامح فى حادث بسيط وبين التنازل عن قواعد العدالة التى يجب أن تسود.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة