◄◄ كوابيس الماضى ونشوة الحاضر تهدد أحلام ومشاريع زويل والباز وحمزة
◄◄ مشروع د. رشدى سعيد يختلف عن المشروعات التى شعارها غزو الصحراء
« بين زحمة الفساد وغياب الرؤية والإرادة السياسية تاهت أفكار المشاريع القومية لعلمائنا فى الخارج والداخل, وأسرفت الحكومات المتعاقبة طوال فترة حكم الرئيس السابق حسنى مبارك فى الاحتفال بعلمائنا فى الخارج, وانتهى الاحتفال والاحتفاء والتكريم وذهبت أفكار ومشروعات العلماء مع رياح النسيان إلى أدراج الإهمال, بعض علمائنا أصابهم «الزهق» وصمت، والبعض الآخر ذهب بمشاريعه إلى دول عربية أخرى.
مشاريع أخرى كان لها حظ من «الزفة الإعلامية» والتوظيف السياسى، وأهدرت مليارات الجنيهات من أجلها دون جدوى، وأحاطت بها الشبهات من كل جانب.
على سبيل المثال مشروع توشكى الذى داعبت به الحكومة فى السابق خيال المصريين وجندت كل فئات الشعب للاحتفال به بوهم أنه مشروع الألفية الجديدة الذى سينقل مصر إلى مصاف الدول العظمى.
الآن وبعد ثورة يناير أعلنت حكومة الدكتور عصام شرف استعدادها لتنفيذ مشروعات علماء مصر بالخارج، واستقبل شرف الدكتور أحمد زويل والدكتور فاروق الباز.
ربما يرى البعض أن الحكومة تسير على نفس الوتيرة والنغمة فى التعامل مع أفكار ومشاريع العلماء التى سارت عليها الحكومات السابقة للنظام السابق، فهناك ميراث من عدم الثقة فى تحويل الأحلام إلى واقع ينهض بمصر ويدفع بها إلى رحاب وآفاق التقدم والتنمية، فتفاصيل وسيناريو «التطفيش» مازالا ماثلان فى الأذهان، والترحاب والاستقبال بالأحضان وحده لا يكفى.
فالدكتور زويل فاز بجائزة نوبل فى العلوم عام 1999، وكانت أول مكالمة تهنئة تلقاها من مبارك، وبعد الشكر والامتنان قدم زويل للرئيس السابق مشروعا كبيرا سينقل مصر علميا لتكون من أهم الدول فى البحث والتكنولوجيا، وجاء زويل إلى مصر وقلده الرئيس قلادة النيل -أرفع وسام مصرى- ثم التقى زويل الرئيس عدة مرات وعرض عليه مشروعه الذى يتكون من جامعة تكنولوجية كبيرة ومراكز أبحاث على أعلى مستوى.. وصدرت التعليمات الرئاسية بالبدء فى المشروع، وتحمس الدكتور زويل جدا وأحس بسعادة لأن الفرصة قد أتته أخيرا لكى يفعل شيئا من أجل بلاده، وصار يوزع وقته بين أمريكا ومصر حتى يعد لمشروعه، وكانت تنقلاته ونفقاته كلها من جيبه الخاص.
أقنع الدكتور زويل عشرة علماء من الحاصلين على جائزة نوبل بالتدريس مجانا فى الجامعة الجديدة، ثم كون الدكتور زويل فريق عمل من 80 عالما مصريا تفرغوا تماما لكى يضعوا تفاصيل المشروع من الناحية العلمية، ومن الناحية الإدارية طلب الدكتور زويل أن يخضع المشروع لرئاسة الجمهورية وليس للتعليم العالى حتى يتفادى التعقيدات الإدارية التى قد تؤدى إلى هروب العلماء الكبار المتطوعين.. كل ما طلبه الدكتور زويل من الدولة قطعة أرض وتمويل بسيط، أما الجانب الأكبر من التمويل فقد أعلن أنه سيستغل ثقة الناس فيه، فيطلب منهم الاكتتاب العام للمشروع الذى سينقل مصر بالفعل إلى العصر الحديث، وأكد أنه واثق من استجابة المصريين لأن أكبر المشروعات فى مصر قد قامت على الاكتتاب العام مثل جامعة القاهرة وبنك مصر.. وقد وافق الرئيس مبارك على كل طلبات الدكتور زويل، وبدا المشروع على وشك التنفيذ فعلا، لكنها العادة المصرية، فجأة حدث شىء غامض غير معروف حتى الآن، فتبخرت الوعود والعهود وفتر حماس الدولة للدكتور زويل وانقلب النظام على الدكتور زويل، وحقد عدد من أركان النظام السابق على شعبيته، وظنوا أن الدكتور زويل لو أتم مشروعه وتخرج من تحت يديه علماء مصريون فسيتحول إلى زعيم وطنى يهدد استقرار نظام الحكم، وتم إجهاض مشروع زويل العلمى نهائيا.
وكان الدكتور زويل فى زيارة لدولة عربية فسأله المصريون المغتربون عن مشروعه العلمى فقال: «لقد عطلته البيروقراطية المصرية..» واعتبرت تقارير الأمن من جديد أن الدكتور زويل ينتقد النظام فى الخارج.. وهنا تحول الدكتور زويل إلى واحد من أعداء النظام، وتم إعطاء التعليمات إلى كتبة الحكومة المنافقين من أجل الإنقاص من قدر الدكتور زويل وتشويه صورته وسمعته أمام الرأى العام بأى طريقة.
سارعت قطر لاحتضان مشروعه، وقد ساهم ومازال فى عدة مشروعات عربية فى أبو ظبى وقطر ودبى والسعودية ولبنان، وتم اختياره من إدارة أوباما كواحد من أهم العقول فى الولايات المتحدة الذين سيستعين بهم الرئيس الجديد فى رسم خطط المستقبل لأمريكا.
وإذا كانت الحكومة الحالية أعلنت موافقتها على مرسوم بقانون لإنشاء مشروع الدكتور أحمد زويل القومى للعلوم والتكنولوجيا فى مدينة السادس من أكتوبر على مساحة 270 فدانا، فالأمل ألا يتكرر السيناريو الكئيب وينتهى الأمر دون أن تستفيد مصر بالدكتور زويل.
القصة ذاتها تكررت مع مشروع الدكتور فاروق الباز «ممر التنمية»، فقد ظل يلح ويناشد بدراسة المشروع وتنفيذه طوال عشرين عاما مضت دون جدوى، وبعد الثورة بدأت حكومة شرف فى اتخاذ خطوات فعلية فى اتجاه تنفيذ مشروع «ممر التنمية» باعتباره من أهم المشاريع التنموية لمستقبل مصر، ومع ذلك لم يسلم المشروع من الهجوم والانتقادات دون معرفة واطلاع على دراسات الجدوى.
ويعتبر الدكتور الباز مشروع ممر التنمية ليس فقط مشروعا للزراعة ولكنه لتوسيع مساحة المعيشة وكل نشاطاتها، شاملا العمران والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة وفتح مجالات جديدة لشباب مصر فى بيئة صالحة تؤهل للإبداع والابتكار.
ويرد على منتقديه بأن الممر فوق الهضبة الجيرية المستوية التى تحد غرب وادى النيل لأنها مسطحة لا تشقها أودية عميقة يصلح لإرساء البنية التحتية، ويشتمل ذلك على طريق سريع وخط كهرباء وأنبوب ماء لاستخدام الإنسان، بالإضافة إلى المشاريع المستقبلية لإنتاج الطاقة الشمسية والتوسع أفقيا دون إيذاء الأراضى الخصبة فى وادى النيل والدلتا.
كما لم يقترح إطلاقا الزراعة فوق الهضبة الجيرية غرب وادى النيل، الزراعة مقترحة أن تكون فى الرواسب النيلية والأراضى المستوية بين غرب النيل وأسفل شرق الهضبة وكذلك غرب الدلتا.
وأحد منافع ممر التنمية هو ربط مشروع توشكى بباقى الوطن بجميع أنواع النقل، وكما يرى الدكتور الباز فإن «توشكى» ليس مشروعا فاشلا، لكنه مشروع لم يكتمل، وربطه بمراكز التكدس السكانى يؤهل نقل الناس إليه، ونقل المنتجات منه إلى جميع أنحاء الوطن بسرعة وسهولة وأمان، أى أن ممر التنمية يُحيى مشروع توشكى.
وخضع مشروع ممر التنمية للدراسة بواسطة 41 خبيرا متخصصا، وهذه الدراسة هى التى خرج منها تقدير التكلفة الإجمالية 23.7 مليار دولار.. بناءً على هذه الدراسة تنظر الحكومة حاليا فى الإعلان عن دراسة جدوى تفصيلية من هيئة غير حكومية للتأكد من صحة الدراسة قبل اتخاذ القرار فيه.
ورغم أهمية مشروع ممر التنمية فإن العالم المصرى الدكتور رشدى سعيد اقترح مشروع تحويل وادى النيل بدلا عن مشروع ممر التنمية للدكتور فاروق الباز.
ومشروع اقترحه رشدى سعيد لتعمير الصحراء الشاسعة فى مصر وتحويلها إلى أراض مستغلة، ويعتمد على تعمير جزء من الصحراء يرتبط بوادى النيل بشبكة محكمة من المواصلات والاتصالات، ويقترح إقامته فى المنطقة الواقعة شمال الصحراء الغربية، والتى يحدها البحر المتوسط من الشمال ومنخفض القطارة وواحة سيوة من الجنوب، بسبب اعتدال مناخها وانبساط تضاريسها وقربها من مناطق الطاقة -حقوق الغاز الطبيعى- ومراكز العمران والبحر الذى يمكن استخدام مياهه فى التبريد فى كثير من الصناعات، فيمكن أن تستوعب هذه المنطقة كل مصانع مصر القائمة بوادى النيل بالإضافة إلى عدد مماثل من المصانع الجديدة، كما يمكنها استيعاب عشرات الملايين من العاملين فيها أو من سيقومون بالأعمال المكملة وعائلاتهم، وبطبيعة الحال فإن المنطقة ستحتاج إلى تزويدها بالمياه العذبة عبر أنبوب يمد من النيل، ولعل هذا يكون أفضل استخدام للمياه فى الصحراء لأن مردودها سيكون أكبر بكثير من المياه التى تستخدم الآن فى استصلاح الأراضى الصحراوية.
ويؤكد الدكتور رشدى أن هذا المشروع يختلف عن كل المحاولات السابقة التى اتخذت شعارا لها وهو غزو الصحراء، فقد انتهت كل هذه المحاولات من وجهة نظره بالفشل فى التخفيف من كثافة السكان فى الوادى، فالقرى السياحية التى امتدت على طول شواطئ البحر الأحمر وخليجى السويس والعقبة لم يكن لها أى أثر غير تحويل هذه الشواطئ إلى ملعب للأوروبيين، صحيح أنها اجتذبت عمالة كبيرة، ولكن نظرا لعدم توافر منازل فى متناول هؤلاء العمال، فإنهم لم يستقروا فيها بل ذهبوا إليها فى «إعارة» يعودون منها فى إجازاتهم إلى مساكنهم وعائلاتهم.. أما الحائط الأسمنتى الذى تم بناؤه من الإسكندرية إلى مطروح وسمى بالساحل الشمالى فلم يستطيع أن يجذب شخصا واحدا للسكن المستقر فيه، وتكاد تكون مساكنه خالية طوال العام.. وبالنسبة للمدن الجديدة مثل العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر فإنها لم تجذب الكثير لسكناها، لأنها بنيت دون اعتبار أيضا لإسكان العاملين فيها، فظلوا يعيشون فى الوادى فى مناطق عشوائية أقاموها حول المدن وفى قرى الريف متكبدين مشقة الانتقال اليومى لأماكن عملهم.. تفاصيل المشروع كثيرة ولكن المهم الآن أن يرى النور ويشق طريقه عبر نافذة التطبيق.
المشروع الثالث الذى يطرحه الدكتور ممدوح حمزة، المهندس الاستشارى، تحت اسم «إعادة التوزيع الجغرافى للسكان فى جمهورية مصر العربية»، والذى قام بوضعه بمشاركة 26 عالما فى مجالات مختلفة.
ويرى حمزة أن المشروع لا يحتاج إلى تكلفة مالية ضخمة، لأنه يعتمد على بعض المناطق التى بها بنية أساسية مثل «توشكى وترعة السلام وبحيرة ناصر».
ويضيف أن هناك عددا من النقاط التى يجب توافرها لضمان نجاح المشروع، أهمها إنشاء مجتمعات عمرانية متكاملة بإسكان منخفض التكاليف، ووضع حوافز لتشجيع الشباب من سن 22 إلى 32 (المستهدف الرئيسى من المشروع) على الانتقال إلى تلك المجتمعات الجديدة، ويقوم المشروع بشكل أساسى على إقامة مشروعات صناعية تعتمد تماما على الموارد الطبيعية الموجودة فى تلك المناطق التى لن يتم استيراد أى عنصر لها من الخارج، بالإضافة إلى الاعتماد بشكل تام على الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وزراعة الأراضى بالمشروع ستعتمد على المياه الجوفية، حيث إن الدراسات أثبتت أن مخزون المياه الجوفية فى مناطق متعددة من الصحراء الغربية يكفى لزراعة 550 ألف فدان لمدة 500 عام.
ويؤكد حمزة أن تنفيذ المشروع لا يحتاج لمال بقدر حاجته للعمالة البشرية، قائلا: «إنه فور تكوين الـ500 أسرة من خلال مراسلتهم له على الإيميل برغبتهم فى الاشتراك سيبدأ على الفور فى التوجه لإحدى الجهات الممولة، والتى سيتم بيع المحصول الذى سيتم زراعته لها فى المستقبل، لتقوم هذه الجهة بتمويل المزرعة، على أن تستقطع قيمة التمويل من قيمة الإنتاج فيما بعد.
يبقى مشروع توشكى الذى تباينت حوله الآراء واتهمه الكثيرون بأنه وراء أزمة السيولة النقدية فى مصر منذ أوائل التسعينيات، ثم الاتهامات حول وجود مخالفات فى عقود البيع، خاصة لشركة المملكة القابضة التى يرأسها الوليد بن طلال.
توشكى تم إنفاق مليارات عليها، وحسب تقديرات فإن إجمالى ما تم صرفه على مشروعى توشكى وترعة السلام بلغ 14 مليار جنيه دون أن يشعر المواطن بأى مردود.
ورغم تحذير كثير من علماء الزراعة والتربة ورفضهم إقامة المشروع لأسباب فنية فالزفة السياسية كانت أقوى من أى رفض، واصطحب الرئيس السابق مئات السياسيين والفنانين ونجوم المجتمع لتدشين المشروع فى يناير 1997، والذى استهدف استصلاح واستزراع 540 ألف فدان حول منخفضات توشكى بهدف التغلب على الفجوة الغذائية وتعظيم عائد الموارد المتاحة وزيادة الصادرات الزراعية مما يســاعد فى تقليل العجز فى الميزان التجارى، وتوفير فرص عمل للكثير من الشباب، خاصة من شباب صعيد مصر، والتشــجيع على إعمار وإسكان وتنمية هذه المناطق وتخفيف الضغط البشرى على وادى ودلتا النيل، وبلغت جملة الاستثمارات المنفذة بالمشروع حوالى 4014 ملايين جنيه منذ بدء العمل.
وفى أعقاب الثورة قرر النائب العام المصرى فى 11 أبريل 2011 التحفظ على أراض تابعة لرجل الأعمال الأمير الوليد بن طلال بمنطقة توشكى جنوبى البلاد بعدما تبين أن عملية البيع تمت بالمخالفة للقانون، وتسلط هذه القضية الضوء على ما يسمى ظاهرة نهب أراضى الدولة إبان عهد مبارك، وتوصلت الشركة إلى تسوية مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى المصرية حول مشروع جنوب الوادى المسمى توشكى بما يضمن لكل جانب حقوقه القانونية والمالية.
وأبدت وزارة الزراعة المصرية موافقتها على عرض المملكة القابضة «تأكيدا لروح المحبة المتبادلة واحتراما للمستثمر الأجنبى وحقوقه».
وتمثلت بنود التسوية حول المشروع الزراعى فى إبقاء ملكية شركة الأمير الوليد على 10 آلاف فدان، بالإضافة إلى استغلال مساحة 15 ألف فدان بنظام حق الانتفاع.