رئيسة منظمة اليونسكو إرينا بوكوفا فى أول حوار لجريدة مصرية:

المصائب والإصابات التى حلت بالناس تشغلنى أكثر من حماية الآثار.. ووضعنا أيدينا على قلوبنا خوفاً على تراث مصر وحضارتها.. ومشهد الشباب المصرى وهو يحمى المتحف المصرى كان رائعاً

الجمعة، 20 مايو 2011 12:42 ص
 المصائب والإصابات التى حلت بالناس تشغلنى أكثر من حماية الآثار.. ووضعنا أيدينا على قلوبنا خوفاً على تراث مصر وحضارتها.. ومشهد الشباب المصرى وهو يحمى المتحف المصرى كان رائعاً السيدة إرينا بوكوفا مدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»
حاورتها هدى زكريا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد انتظار طويل استجابت السيدة إرينا بوكوفا مدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، لإجراء حوار مع جريدة «اليوم السابع»، وهو أول حوار خاص تجريه مع جريدة عربية، عبرت فيه عن رأيها فيما يشهده العالم العربى الآن من ثورات وانتفاضات تطالب بإرساء الحرية والديمقراطية، مؤكدة أن المشهد بعد «الربيع العربى» اختلف تماما عن الحالة التى سادت قبله. وفيما يلى نص الحوار.

◄◄ كيف تنظرين إلى الأحداث التى تشهدها الدول العربية؟ وماذا تحمل برأيك من وعود للمستقبل لاسيما بالنسبة إلى الشباب؟
- لا شك أن الأحداث التى تهتز لها المجتمعات العربية اليوم تشكل مرحلة مفصلية مهمة فى تاريخ هذه المنطقة من العالم، حيث إنها تأتى بتحولات كبيرة وحاسمة تفصل ما بين الأمس والغد، وباتت هناك مرحلة ما قبل الربيع العربى ومرحلة ما بعده. أن ينزل الشابات والشبان إلى الشوارع مطالبين بحقوقهم الأساسية من حرية وعدالة ومساواة وحقوق بالمشاركة فى الحكم كانت الشرارة لميلاد مرحلة جديدة لهذه المنطقة.

◄◄ هل كان من المتوقع عالميا أن يبدأ الشباب بهذه الانتفاضات وليس النخب السياسية؟
- هؤلاء الشباب ولدوا وكبروا محرومين من صناديق الاقتراع فكان لهم أن يقترعوا بالشارع عاملين على بناء شرعية جديدة، تمهِّد لهم، ولأولادهم بعدهم، بناء مستقبل أفضل يقوم على الحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان كافة.

◄◄ وما أكثر ما لفت نظرك فى ثورتى مصر وتونس؟
- اللافت فى الانتفاضات التى شهدتها كل من تونس ومصر وتلك الدائرة حاليا فى غيرهما من الدول العربية أن ما يجمعهما هو عنصر الشباب الذى يغلب على وجوه الذين يقودون هذه الحركة والذين يشاركون فيها، فقد وقف هؤلاء ليرموا عن أنفسهم أثقال الماضى ومخاوفه ليبدأوا بالعمل على بناء المستقبل المحمل بالسلام للجميع، وهم يعلمون علم اليقين أن السلام يبدأ حيث تبدأ العدالة وينمو حيث تنمو المساواة وينتعش حيث تزدهر حقوق الإنسان.

◄◄ وما رأيك فى الشعارات التى رفعها الشباب مثل «عيش.. حرية.. كرامة إنسانية» أو «تغيير.. حرية.. عدالة اجتماعية»؟
- أود أن أقول إننى حينما انتخبت على رأس اليونسكو، منذ ما يقارب السنتين، جئت ومعى نظرة جديدة أحاول أن أطبقها على عملى فى العلاقات الدولية سميتها «نهجا إنسانيا جديدا». أريد بذلك أن أنبه إلى ضرورة أن تتسم العلاقات داخل المجتمعات وما بين الدول بالبعد الإنسانى الذى يتسم بصون الكرامة والهوية وحرية كل منا أفرادا وجماعات، بحيث يكون هناك تكامل وتوازن ما بين البعد المادى لحياتنا والبعد الفكرى والنفسى، وأعتقد أن طموحات «الربيع العربى» تأتى لتحقِّق هذا التوازن ما بين الحاجة إلى العمل والملبس والمسكن والرفاهية وما بين حرية التفكير والتعبير والعيش بكرامة.

◄◄ لقد كان لليونسكو ولك شخصيا مواقف معلنة تجاه المخاطر التى تهدد التراث الثقافى فى مصر خلال ثورة الشباب. ماذا يمكن أن تعمل اليونسكو لصون التراث الثقافى وحمايته فى حالات الأزمات والاضطرابات؟
- من البديهى أن نكون متيقظين إلى قضايا حماية وصون التراث الثقافى والطبيعى، وكذلك المؤسسات الفكرية والتربوية فى حالات الأزمات والاضطرابات، ولكن لا أخفيكم سرا بأن أول ما يشغلنى فى مثل هذه الأوضاع هم الناس والمصائب والإصابات التى يمكن أن تكون حلت بهم أو تهددهم، والأمر نفسه بالنسبة إلى البلدان التى تقع ضحية كوارث طبيعية وغيرها، ولأننى هنا أخاطب صحيفة مصرية أود أن أذكر بإحدى أجمل صور التعاون الدولى فى مجال صون التراث ألا وهى إنقاذ آثار النوبة من الغرق بعد بناء السد العالى فى أسوان، وقد تضافرت جهود المجتمع الدولى كلها لإنقاذ هذه الآثار التى اعتبرتها الأسرة الدولية ملكا لها جميعا، ويجب أن تصونها وتحافظ عليها، ومن رحم هذه التجربة نشأت اتفاقية التراث العالمى عام 1972.

◄◄ لكن ألم تكن حماية الآثار تشغل بالك بنفس القدر؟
- من الطبيعى أن نضع أيدينا على قلوبنا حينما يتعرض بلد مثل مصر للاضطرابات الأمنية خوفا على ثرواته التراثية ومتاحفه وقطعه الأثرية، لأننا نعرف أن اللصوص من تجار التحف المسروقة يتربصون بفرص الاضطرابات ليعيثوا فسادا فى المتاحف سرقة ونهبا، فمتحف بغداد، على سبيل المثال، تعرض لنزف طال أكثر من 15 ألف قطعة من محتوياته الأثرية، ولم يتم العثور على أكثر من نصفها. وكان مشهدا رائعا وأمثولة أن نرى الشابات والشبان يتحلقون حول متحف القاهرة ومكتبة الإسكندرية ضاربين طوقين بشريين حول هذين المعلمين الكبيرين للحول دون عبث اللصوص بهما.

◄◄ وما الإجراءات التى اتخذتها المنظمة للحفاظ على التراث الإنسانى بالدول العربية التى تشهد ثورات؟
- لقد دعوت إلى اجتماع تقنى طارئ فى مقر اليونسكو يوم 15 مارس الماضى، حول وضع التراث الثقافى، فى مصر وتونس وليبيا، لمناقشة تنسيق تدابير المساعدة العاجلة التى يتعين اتخاذها فى هذه البلدان. وحضر الاجتماع ممثلون من شركائنا الدوليين، بما فى ذلك المنظمة العالمية للجمارك، والإنتربول، والمركز الدولى لدراسة صون الممتلكات الثقافية وترميمها (إيكروم)، والمجلس الدولى للآثار والمواقع (إيكوموس)، والمجلس الدولى للمتاحف (إيكوم)، والصندوق العالمى للآثار، وعدد من الخبراء المستقلين، من المتخصصين فى مجال حماية التراث الثقافى أثناء حالات النزاع. وأصدرت فى 16 مارس، بيانا صحفيا دعيت فيه إلى حشد الخبراء والشركاء فى المجتمع المدنى لحماية التراث فى كل من مصر وتونس وليبيا، ولفتُّ إلى الدور الذى يمكن للشباب أن يضطلعوا به فى هذا المجال، حيث قلت إنه يتوجّب علينا أن نعمل بصورة وثيقة بوجه خاص مع الشباب على نشر الرسالة القائلة إن التراث الثقافى فى تونس ومصر وليبيا هو تراثهم، ويرتبط ارتباطا وثيقا بهويتهم، ويمثل دعما مضمونا لتحقيق الديمقراطية والتفاهم بين الثقافات. ويبدو أن الشباب مستعدون لتلقى هذه الرسالة والعمل بموجبها، وهم على وعى تام أن صون تراثهم هو جزء من صون هويتهم وبناء مستقبلهم.

◄◄ إذا أتيح لكِ أن تخاطبى الشباب المصرى والعربى اليوم فماذا تقولين لهم؟
- أريد هنا أن أقتبس مما قاله الكاتب العربى ذو الشهرة العالمية جبران خليل جبران، إن الشباب «هم بنات وأبناء الحياة، والحياة لا تقيم فى منازل الأمس». وهم الذين عليهم أن يسكنوا فى منازل المستقبل، عليهم أيضا أن يختاروا البناء السليم لهذه المنازل، بحيث يكون أساسه العدالة، وحجارته المساواة، ويستظل بشجرة الحرية، ويقوى بشمس المعرفة، وينعم بحدائق السلام.
والرسالة التى توجهها اليونسكو إلى الشباب فى مصر خصوصا، والعالم العربى عموما هى رسالة مزدوجة: أولا، رسالة إصغاء وانتباه واحترام للكفاح الذى بذلوا فيه الغالى والنفيس دفاعا عن قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ثانيا، هى رسالة تعاون: إن اليونسكو مستعدة للعمل مع كل الأطراف المعنية، خصوصا المنظمات الشبابية للمساعدة على عبور هذه المرحلة الانتقالية فى العالم العربى. إن هذه الشبيبة الملتزمة والممتلئة بالحماسة والتصميم ستكون دائما شريكا أساسيا لليونسكو فى كل أعمالها على هذا الطريق الشاق والمثمر فى آنٍ واحد.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة