انتشرت فى الآونة الأخيرة أفكار مربكة ومزيفة، تطالب بالتسامح مع رموز النظام السابق، على رأسهم الرئيس المخلوع حسنى مبارك من باب (عفا الله عما سلف، ويا بخت من بات مظلوم ولا بات ظالم، والعفو عند المقدرة)، وهذه العبارات التى تأتى دائما بعيدة تماما عن موقعها وواقعها ونستظل بها، وكأنها تحمل الإيمان كله رغم أنها الهوان كله، وليست من الإيمان فى شىء.. فللتسامح أعراف وأصول وقواعد تحكمه.
أولها أن أتسامح فى ما أملك أو فى حقى كفرد، وليس فى حق 85 مليون مصرى.. فكيف نطلب لمبارك التسامح والعفو؟ ألم يقل سبحانه وتعالى: " ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون"؟
أتصور والأجر عند الله أن التسامح قد يخل بعدالة القصاص التى شرعها سبحانه وتعالى على الأرض، للحفاظ على الحياة وتوازن القوى فيها.. ثم هل من حقنا أن نسامح فى دم أكثر من 800 شهيد، منهم الأطفال والورود البكر والصبايا؟.. هل من حقنا أن نسبق الرحمة على القانون وهناك 8000 مصاب، يعانى أكثرهم من عاهات مستديمة، أصبحوا عجزة وهم فى ريعان الشباب؟.. وهذا الجرح الغائر بين أبناء الأمة الواحدة بين الشرطة والناس بين زبانية النظام وأصحاب المكان، هل يداويه التسامح أم نريد القصاص العادل ليكون عبرة لكل حاكم ظالم سواء فى مصر أو فى الدول العربية ذات الطبيعة المأساوية المشابهة؟
حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "رجلان ما تنالهما شفاعتى: إمام ظلوم غشوم، وآخر غال فى الدين مارق منه" (رواه ابن أبى عاصم فى السنة)، ألم يكن الرئيس المتنحى ظلوم غشوم سواء فى التعامل معنا فى أثناء الثورة أو حتى أثناء حكمه الثلاثينى الميمون؟.. ألم نصبح أكثر بلاد العالم فسادا وفقرا وجوعا ومرضا؟.. فماذا أعطانا الرجل لنسامحه عليه؟ فحتى رسولنا الرحيم أخرج أمثاله من شفاعته، بل ذكر فى حديث آخر بأن (الأمام الجائر) واحد من أربعة يبغضهم الله عز وجل وهو سبحانه من شملت رحمته وكرمه جميع الخلق بطول الأرض.. والغرض واضح وصريح فيقول سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم" (النساء)، وهو بذلك يكرم من نطلق عليهم الآن (رؤساء وملوك)، ويعطيهم قوة فى المجتمع بهدف صلاحه ونشر المنفعة بين الناس، وبقدر ما كان كرمه شديد عليهم بقدر ما كان غضبه أشد على الفاسدين منهم.. فماذا قدم مبارك لهذا الوطن غير الضياع؟.. ولا يمكن أن ننسب فساد البلاد وفقر حالها واستباحة أموالها وقتل أبنائها لرجاله وأعوانه فقط حتى لو قال هو ذلك.. ففى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "من ولى من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا، وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله" (مسند الإمام أحمد).
فهل من الأمانة أن يترك مبارك أمور الوطن وحياة الناس لأحمد عز وفتحى سرور وصفوت الشريف وحبيب العادلى والمغربى وجرانة وذكريا عزمى وسامح فهمى وأحمد نظيف... الخ؟.. كيف نسامحه بعد أن ولى علينا أسوء من فينا، بعد أن ترك هؤلاء السفاحين يتسيدون وينعمون ويتوحشون على حساب 85 مليون بنى آدم يعيش نصفهم تحت خط الفقر، ومنهم 18 مليون إنسان لا يعرف الوضوء لأنه يعيش فى العشوائيات بلا مياه، وأكثر أمانيهم أن تصلهم مياه مخلوطة بالمجارى، ناهيك عن أطفال الشوارع، وساكنى الزرائب والقبور والملايين من المرضى فى هذا الوطن؟
إن عظمة القصاص فى الإسلام، أن يقام على القوى قبل أن يقام على الضعيف، أن يعاقب القادر قبل أن يحاسب المحتاج.. فيقول صلى الله عليه وسلم: "إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا الحد عليه، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" (صحيح البخارى)، فأين هو من قول رسول الله ونحن نعلم كم من الأموال نهبت على يد علاء وجمال ومازالت التحقيقات تخرج لنا (بلاوى)؟ فلقد وهب لأحدهم التجارة وترك للأخر الإمارة، وفقعوا لنا المرارة، حتى أنها أول ثورة حقيقية لشعب مصر بعد 7000 سنة صبر وشكوى وبكاء، فهل من الكثير علينا أن يكون هذا الرجل وأعوانه عبرة ودرس إلهى حتى يتعظ الحكام المسلمين جميعا؟.. وهل من كثير على تلك الشعوب العربية الثكلى المجروحة (ليبيا وسوريا واليمن) أن تأخذ بثأر أبنائها وشبابها الذين ماتوا لنعيش نحن ونتباهى بالحرية وتقرير المصير؟
يقول سبحانه وتعالى: "كل نفس بما كسبت رهينة" (المدثر)، وقد أعطاهم الله الكثير وبقدر كرمه يكون حسابه، وبقدر ما كسبوا بقدر ما عبثوا بأقدارنا ومقدراتنا وحياتنا، لذلك وجب علينا القصاص والانتقام لأن القصاص هنا سوف يمنع بلاء كبير قد يقع على الناس، فلو تساهلنا معهم فما المانع فى أن نتساهل مع من يأتى بعدهم ويقلدهم فى نهبهم وفسادهم؟ فهل سنضحى بعدد من الشهداء كل 4 سنوات تبعا للدستور الجديد؟ أم سنخطط لثورة قبل كل انتخاب.
فإلى كل من يطالب بالرحمة أو التسامح مع مبارك، وأمثاله من الحكام العرب أقول لهم، "لا تصالح على الدم.. حتى بدم.. لا تصالح.. ولو قيل رأس برأسٍ، أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟ أقلب الغريب كقلب أخيك؟! أعيناه عينا أخيك؟! وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك.. بيدٍ سيفها أثْكَلك؟.. هل ترى؟.. هى أشياء لا تشترى".
أمل دنقل.. "لا تصالح"
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة