تدخل جماعة الإخوان المسلمين اختبارها الأكبر بإعلانها رسميا تأسيس حزب «العدالة والحرية»، وإذا كانت الجماعة قد عانت فى الماضى من الملاحقات الأمنية وتضييق الخناق على ممارستها السياسية، مما أدى إلى إضفاء حالة من التعاطف الشعبى معها، وفى نفس الوقت اتهامها من المعارضين لها بأنها تلعب على وتر المشاعر الدينية إلا أنه لا يستطيع أحد إنكار جدية عناصرها فى التواصل مع الجماهير، بصيغ خدمية مختلفة ومؤثرة فى وقت سجلت فيه أحزاب المعارضة فشلها الكبير الذى أدى إلى انصراف العضوية عنها.
وإذا كان هذا هو حال الجماعة فى إطارها التنظيمى الذى جمع بين السرية والعلانية، فإنها تواجه الآن من خلال حزبها ما نسميه بمخاطر العلانية، التى تتمثل فى أن ما كان يتم قوله فى السر سيتم قوله فى العلن، بالإضافة إلى ذلك فإن الحزب الجديد شأنه شأن كل الأحزاب العلانية، سيخضع للتقييم فى أطروحات برنامجه من الجماهير التى يستهدفها الحزب، كما سيواجه نزوع رغبات أعضائه الطامحين، والذين قد يجدون فى أنفسهم جدارة القيادة، مما يحتم إيجاد آلية ديمقراطية لا تعتمد على السمع والطاعة التى تتبعها الجماعة، وفى حال تعارض هذا الطموح مع ما ستفرضه الجماعة من قيادات، فإن خطر الانشقاق سيكون واردا، وإذا كان هذا هو الحال الذى حدث فى بعض المراحل التاريخية للجماعة بالرغم من صرامتها التنظيمية والسرية، وشاهدناه فى سنوات قريبة مضت مع أبو العلا ماضى وعصام سلطان، ونشاهده الآن مع عبدالمنعم أبو الفتوح، وقبله مع إبراهيم الزعفرانى، أقول إذا كان الوضع كذلك، فما بالنا والحال سيكون فى حزب علنى يمارس التفاعل الجماهيرى كل لحظة، مما قد يفرز مزيدا من الطموح لعناصر فى الحزب تجد فى نفسها أهلا بالقيادة.
ومما يعزز الفرضية السابقة أن الطبيعى فى عضوية الأحزاب، أنها لا تكون بنفس صرامة الفرز الذى تتبعه الجماعات أو التنظيمات السرية، وهو ما يطرح سؤالا: لمن ستكون الأفضلية؟، هل ستكون لعضوية الحزب الجديدة النشيطة؟، أم ستكون لعضوية الجماعة حتى لو كانت خاملة، وبالطبع فإن طرح هذا السؤال لن يكون له أهمية فى حال اقتصار عضوية الحزب على عضوية الجماعة، حيث إننا سنكون أمام حالة ستجمع بين السرية والعلانية، شىء أشبه بما حدث فى تنظيمات ثورة يوليو، التى تواجد فيها التنظيم الطليعى «السرى» الذى يقود الاتحاد الاشتراكى «العلنى»، وبالرغم من أن جماعة الإخوان يغضبها مثل هذه المقارنة، إلا أنه من المفيد لها قراءة كل التجارب الحزبية التى مرت فى النظم السياسية مهما كان طابعها الذى قد تختلف معه.
التحدى الأخير أمام الجماعة وحزبها يأتى من الإفراط فى الشعور بالثقة فى معرفة الشفرة السرية للجماهير، وهو استباق ليس فى محله، فما يجوز فى مخاطبة الجماهير من الجماعة لن يجوز فى مخاطبتهم من الحزب، فكلا الأمرين مختلف، وقد تكون جماهيرهم مختلفة أيضا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة