بصرف النظر عن الجدل الدائر الآن على الساحة السياسية، وفى برامج التوك شو، لا يمكن القول إن كل هذا النقاش هو نفسه الذى يطالب به المواطنون فى الريف والحضر، فى المدن والقرى، فى العشوائيات والضواحى، تبدو النخبة وقد انفردت بنفسها وبعضها، وانخرطت فى نقاش ساخن حول الأولويات، هل نحتاج الدستور أولا أم الانتخابات؟ وهل يفترض أن ننتخب رئيسا، أم نختار نوابا؟ وما هى الضمانات؟ الناس تسأل، ماذا سيحدث؟ ولا أحد غالبا يقول: علينا أن نفعل كذا.
لا أحد يريد أن يتوقف ويتعرف على آراء المواطنين أمام الشاشات، وأن يطمئنهم إلى أن القادم أفضل، وأن هناك أملا وضوء فى نهاية النفق.
الأغلبية الصامتة خرجت عن صمتها أيام الثورة، فرحت بسقوط النظام وحلمت بنظام يوفر العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، نفس الأغلبية خرجت إلى الاستفتاء من كل فج عميق، ولديها تصور أن المشاكل سوف تنتهى وأنها اقتربت من حاجز النهاية، لكن الاستفتاء لم يكن نهاية طريق الآلام، لكنه كان بدايتها، تلك الأغلبية كانت صامتة رغما عنها، وتحتاج إلى من يأخذ بيديها ويقول لها إن المشاركة فى الانتخابات، سوف تنعكس على الرواتب وتترجم إلى فرص عمل للأبناء العاطلين، وعلاج للكبد الوبائى والفشل الكلوى، ومستشفيات بلا طوابير، وللفلاح مبيدات بلا سرطان، وسعر عادل للقمح والقطن.
المصريون الذين أيدوا الثورة، تصوروا أن الأمر سوف ينتهى فى ساعات أو أيام، ووجدنا من بين أهلنا من يريد أن يذهب لعمله ثانى يوم الثورة. وبالرغم من أن الخسائر وحالة التدمير والحرق لم تكن واسعة مثلا يجرى فى الثورات، وبدت الطبيعة المسالمة للمصريين مندهشة أمام هذه الحوادث. التى أدخلت خوفا إلى النفوس.
الخوف أصبح يتسع وينمو، وتغذية تصريحات وأنباء وتقارير عن أزمة اقتصادية، وتوقف للإنتاج والسياحة، ونقص فى الخدمات وارتفاع فى الأسعار، مع انفلات أمنى لا تبدو هناك نهاية له، الناس أو الأغلبية التى كانت صامتة خرجت فى الثورة والاستفتاء، لكنها لا تجد من يساعدها فى فهم المستقبل ببساطة، ومن يترجم هذا الجدل حول الدستور أولا أم الانتخابات، إلى إجابات على أسئلة المواطنين، عن تحسن حياتهم الاقتصادية. وطعامهم وعلاجهم ومسكنهم.
لقد كان السؤال الدائم فى عهد النظام السابق.. "ماذا سيحدث؟". كانت مساحة الشائعات تتسع كلما اختفت المعلومات الحقيقية.. وبعد سقوط النظام ما تزال الغيوم تتواصل، فلم نعرف كيف كانت تدار البلد، وكيف كانت تتخذ القرارات. وتبدو الرعبة فى المحاكمات الجنائية مريحة لمن يريدون القصاص من الفاسدين والمفسدين ومن خرجوا على القانون، لكن المحاكمة الجنائية تحرم من المحاكمة السياسية لنظام مبارك والتى يمكن أن تكشف الكثير من الأسرار عما كان يجرى وكيف كانت القرارات تتخذ. حتى لا نظل فى نظام جديد يخلو من المعلومات. والنخب السياسية والحزبية ما تزال تبحث عن العربة قبل الحصان أو العربة بعد الحصان.
هناك انفصال بين ما يراه الشعب وما تريده النخب، السياسيون ونجوم التوك شو يفرضون مناقشاتهم على الناس، يتحدثون عن الدستور أولا قبل الانتخابات، أو الانتخابات قبل الدستور، بينما المواطنون ينتظرون من يخبرهم بأن الغد سيكون أفضل ولو بدرجة واحدة. فهل نسمع للأغلبية الصامتة بدلا من أن نتجاهلها؟.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة