مصر الثورة تحقق نجاحاً أكبر فى الخارج من مصر الثورة فى الداخل..!
هل تتفق معى فى هذا الرأى؟
مصر الخارج أنجزت ما عجز عنه نظام مبارك فى ثلاثين عاماً، والأخبار المبهجة المتفائلة وبشائر الثورة خلال الأيام الماضية جاءت من اتجاهات عديدة، وفى ملفات شائكة، كانت تشكل هماً كبيراً للسياسة الخارجية المصرية الفاشلة فى سنوات حكم مبارك.
ملف مياه النيل والأزمة مع دول الحوض بدأ فى الحل والخروج من مأزق العلاقات السياسية السيئة التى خلفها النظام السابق، وعادت العلاقات الطيبة والطبيعية مع دول النيل، خاصة أوغندا وأثيوبيا.
المفاجآت السارة حصدتها مصر الثورة مع إعلان رئيس الوزراء الأثيوبى مليس زيناوى تعليق بلاده التصديق النهائى على الاتفاقية الإطارية الخاصة بمياه النيل، لحين انتهاء الشعب المصرى من انتخاب مجلس الشعب والرئيس، وأن التعليق جاء "تكريماً للثورة المصرية" وتكريماً لمصر التى عاش فيها زيناوى فترة من الزمن أيام الزمن الجميل.
أثيوبيا التى صورها لنا مبارك بأنها بيت الشيطان الأفريقى الذى يستوطن فى العدو الإسرائيلى احتفت بمصر الثورة ووفدها الشعبى ووافقت على وفد فنى مشترك لدراسة سد الألفية وتأكيدها على عدم إضراره بمصر.
مصر الثورة فى الخارج حققت المصالحة فى أهم ملف رئيسى لها وفى قضيتها المصيرية فى وقت قصير، وتصالحت فتح وحماس فى مفاجأة مفرحة ومذهلة أسعدت ملايين العرب والفلسطينين وأحزنت إسرائيل وأربكت حساباتها وزادت من حسرتها على زوال "الكنز الثمين"، الذى كان يسمى مبارك، وتزامن مع المصالحة إعلان مصر وبقوة وثقة فتح معبر رفح بشكل دائم، وإنهاء العزلة العبثية التى فرضها مبارك على غزة لدعم إسرائيل وللتخلص من حماس.
ثم جاءت زيارة الدكتور عصام شرف إلى عدد من دول الخليج العربى ليكمل الصورة الجميلة والمتفائلة ويلمس بنفسه كيف أن العرب جميعا يرحبون ويرغبون بعودة مصر إلى مكانتها الرائدة والقائدة.
مصر الثورة فى الخارج طالب بتدريس نموذجها فى المناهج البريطانية مجلس العموم البريطانى، وأشادت بها كل الدول- ماعدا دولة الكيان الصهيونى بالطبع - وأعلن العالم استعداده للقدوم بمليارات الدولارات للاستثمار فى مصر مع توقعات بانتعاش اقتصادى فى حالة استقرار الأوضاع.
لكن قد يرى الكثيرون أن مصر الثورة فى الداخل لا تتوازى مع نجاحات الخارج، فالوضع الاقتصادى مزعج، ورئيس الوزراء يعلن أن مصر فى خطر بسبب الأداء الاقتصادى المتردى مع توقف عجلة الإنتاج وتصاعد حدة الاحتجاجات الفئوية والعمالية وغياب الأمن وقطع الطرق مع كل مطلب ووجود حالة من عدم الوعى بالمأزق الداخلى وعدم الصبر قليلا على الحكومة والتعاون معها للخروج من النفق المظلم، فهناك فى الداخل حالة من الإحباط بعض الشىء، رغم النداءات والمناشدات المتكررة والإلحاح بضرورة الإنتاج قبل الوصول إلى مرحلة الخطر الذى قد يعصف بالجميع، فالعجز فى الميزانية بلغ مرحلة خطيرة والاستثمارات تهرب والاحتياطى النقدى ينخفض.
كثير من الناس عندما يتلقى الأخبار السارة من الخارج يتمنى أن يتحقق مثلها فى الداخل، والمطلوب قليل من الهدوء من العمال وأصحاب المطالب الفئوية وإدراك أن هناك ضرورة وطنية الآن وليس غدا للخروج من الأزمة الحالية ولو على حساب المطالب والمصالح الفئوية والعمالية لشهور قليلة فقط.
فالمطلوب هدنة من أصحاب الاحتجاجات والتظاهرات حتى نلتقط الأنفاس، وتدور عجلة الإنتاج، وتستطيع حكومة "ميدان التحرير" إنجاز مهمتها العسيرة لإعادة الاستقرار والأمن، ثم يأتى دور المطالب بالطرق الشرعية والسلمية للحفاظ على مكتسبات ثورة يناير.
مصر الثورة فى الخارج تتقدم بخطوات مذهلة، ولا يبقى من مصر الثورة فى الداخل سوى السير فى نفس الاتجاه.