من ميدان التحرير منح الشعب الشرعية لحكومة الدكتور عصام شرف واستبشر الجميع خيرا بعد الثقة التى منحها» الثوار« لرئيس الحكومة الجديد الذى بادلهم كلمات الشكر والامتنان للاختيار وتعهد بالعمل لتنفيذ كل مطالبهم، وأطلق الناس على شرف »رئيس وزراء الثورة« وحكومته هى حكومة الثورة, هذه الأيام يمر شهران تقريبا على تولى حكومة شرف، وحالة القلق تتزايد يوما بعد يوم على هيبة الدولة المصرية التى تتآكل وتتراجع أمام حالات الانفلات السلوكى لبعض الأفراد أو الجماعات التى رأت فى الثورة أداة استقواء و»لى ذراع« للحكومة والدولة المصرية برمتها، من أجل تحقيق مطالب بعضها مشروع، يتم التعبير عنه بجرأة عير مسبوقة حتى لوكان على حساب المصلحة العامة، والبعض الآخر يسعى للحصول على مكاسب وقتية من باب »إذا جاءتك رياحك فاغتنمها« حتى لو كانت هذه المكاسب والمغانم غير منطقية أو غير مقبولة، ولكنها الفرصة فى ظل حالة السيولة السياسية والمجتمعية و حالة الوهن الذى تعيشه الدولة فى المرحلة الانتقالية الحالية.
الاحتجاجات الفئوية وقطع الطرق والسكك الحديدية والتحدى الذى تبديه الجماعات السلفية وحالة الفوضى فى الشارع المصرى تطرح سؤالا محيرا وهو إذا كان الدكتور عصام شرف حصل على شرعية وثقة ميدان الحرير فما تفسير لما يحدث فى باقى ميادين وشوارع مصر؟ هل هى أزمة ثقة فى حكومة شرف لم تشفع لها شرعية ميدان التحرير؟ أم هى استعراض قوة وفرد عضلات لجس النبض وقياس مدى هيبة الدولة الجديدة بعد 25 يناير؟
الدكتور شرف »معذور« وحكومته فى مأزق حقيقى فالأعباء ثقيلة ومخلفات النظام السابق وروائحها مازالت تزكم الأنوف، »فمازلنا نعيش فى مستنقع الفساد« على حد وصف الدكتور جودة عبدالخالق وزير التضامن، وإزالة تلك المخلفات تحتاج جهودا مضنية.
ومع ذلك لم تستوعب فئات كثيرة من المجتمع مأزق حكومة الدكتور شرف ومأزق الثورة أيضا، فانفجرت »ماسورة الاحتجاجات« بالحق أو بالباطل من كل حدب وصوب وتعددت صور التعبير عنها بجرأة نالت من هيبة الدولة كثيرا، ولم يقابل ذلك رد فعل يظهر شراسة الحكومة فى الخروج عن الشرعية وإحداث الفوضى والإضرار بالمصالح العامة، وهو المأزق الذى تواجهه حكومة شرف الآن، والمأخذ عليها أيضا, فالثورة ليست فوضى وإهانة الدولة كما يراها ويستغلها البعض مثلما حدث مع سائقى الميكروباص أبرز حالات الفوضى فى الشارع المصرى حاليا، وليست تعبيرا عن ضعف أو نعومة من الحكومة أو المجلس العسكري، فالمسألة تحتاج إلى فهم ووعى بخطورة الوضع وتفاقم الأزمة وجنوح الثورة الى أهداف وأغراض أخرى تصب فى صالح أعدائها، والمسألة تحتاج أيضا إلى الحفاظ على ما تبقى من هيبة الدولة بسلاح القانون وليس البطش.
إذا كنا قد منحنا حكومة شرف صك الاعتراف الثورى وشرعية الميدان فليس هناك تفسير آخر لما يحدث الآن سوى أنه أزمة ثقة غير مبررة وغير مفهومة وتثير الشك فى دوافعها فى هذا التوقيت الحرج. > >