◄◄ كيف شارك «ماسبيرو» فى صناعة الفتن الطائفية
خلق الله الإنسان مزيجاً من الفجور والتقوى, وما خلقه فرعونا متجبراً، ولكن البشر هم من يخلقون الفراعنة، فابحث فى التاريخ ماضيه وحاضره عن أى فرعون ستجده صناعة المحيطين به، ومبنى ماسبيرو للحق كما شاهدت من أبرع الأماكن فى صناعة الفراعين، فيكفى أن تكون رئيسا، أى رئيس، لتثق أنه سيتم نفاقك دون حدود وأنك لا يأتيك الباطل من أمامك أو خلفك ولكن عليك أيضا أن تثق فى أن الخصومة فى ذات معقل النفاق تكون خصومة طاحنة.
وعليه فإن النفاق أو الخصومة فى ماسبيرو لا وسطية فيها، هذا كما قلت لو أنك مجرد رئيس فما بالك لو كنت وزيراً أو رئيس قطاع انسى...... لأنك يا ريس ستكون صاحب الحكمة والقول السديد والرأى الرشيد، وفى مبنى ماسبيرو لا يستطيع إلا الملائكة مقاومة هذه الفتنة، وبما أن الملائكة لا يسكنون الأرض، فمبنى ماسبيرو اختار له سكانه اسم قلعة الخطيئة، فإنه أيضا من الصعب أن تحاكم فراعينه دون أن تحاكم من صنعوهم على كثرتهم. هذا هو العدل الذى سيفرضه الله يوم الحساب، ولكنه مفقود على الأرض، فهل هناك أحد فى ماسبيرو يحاكم نفسه الآن لأنه ساهم على مدى سنوات فى خلق فراعين يرجمونهم الآن ؟.. كنت قبل سنوات من دخولى المبنى أسمع -والله أعلم- أن أكثر خطايا ماسبيرو كانت خطايا أخلاقية، ولكنى أشهد أن أكثر الخطايا التى شاهدتها كانت من النوع الذى أشرت إليه، من صناعة الفراعين.
فصل جديد
كنت أتصور أن بخروجى فى نهاية شهر رمضان عام 2007 من ماسبيرو بعد انتهاء برنامج المسلسلاتى بالنسبة لى، لن أعود له ثانيةً، ولكن كان القدر يكتب لى مساراً آخر فى عودة ثانية ظلت لسنوات أخرى، وكأن مقدرا لى أن أرتبط بالمكان، لأرى فيه نهاية عصر وبداية عصر آخر. وخلال هذه المدة لم أكن قابلت وزير الإعلام أنس الفقى آنذاك، رغم ألا شىء يتم فى المبنى، وليس هناك من جملة مفيدة تقال، إلا ويكون فيها اسم الوزير... فكل مسؤول يصدر قرارا أو يقول جملة ينهيها بأنه أمر الوزير، وكل موظف كبر أو صغر يفعل شيئا يذيل فعله وقوله، بأنه حسب اتفاقه مع الوزير... لم أكن أشاهد أو قابلت الوزير ولكنه كاسم كان يحيط بى من كل جانب، وإن أكدت لى الأيام أن كل من كان يردد اسم الوزير ليبرر أعماله، كان كاذبا، ليس لأن الوزير كان ملاكاً أو غافلاً، ولكن لأن الوزير كان مهموما فقط بتهيئة مناخ يبدو حراً من أجل تمهيد التربة لعصر شباب لجنة السياسات، مبنى ماسبيرو كما سبق وذكرت، مثال حى قائم لكل سلبيات الناس فى مصر وخطاياهم فى إفساد المسؤولين. ولدى تجربة خاصة مع أنس الفقى قبل أن ألقاه حين أتى رمضان عام 2008 واتفقت على أن أعد برنامج الكمين على قناة نايل لايف، وفى أعراف التليفزيون، يتم إرسال أسماء الضيوف المقترحة إلى الوزير لإجازتها، مما سبب لى ضيقا شديدا وإحساسا بالرقابة المبكرة على عمل لم يتم، ولكنى على كل حال أرسلت قائمة بالضيوف لمكتبه الذى رد علىّ برفض مجموعة من أسماء الضيوف لأسباب سياسية، وحين اتصل بى مدير مكتب الوزير لإبلاغى، أصررت على قائمة ضيوفى، وإلا سأعتذر عن البرنامج وأوضحت وجهة نظرى بإصرار، وبالفعل عادت الإجابة بالموافقة على أى ضيف أقترحه لدرجة أن مدير مكتبه قال لى، مش ناقص يا أستاذة غير استضافة أيمن نور، فضحكت وقلت والله فكرة فرد يبدو إنك عايزه لنا خراب البيوت!!!! إذا كلمة »لا« فى وجه الحاكم أى حاكم تعتمد على صاحب حق مصرٌ على حقه، وأزعم أن طوال عملى فى ماسبيرو لم يقهرنى حاكم، ولكن قهرنى وعذبنى ضعف المواهب، وقلة ضمير كثير من الفنيين مثل مخرجين ما هم بمخرجين، وبعض مصورات ومصورين ينامون خلف الكاميرات، ونوعيات ممن يعملون بالمونتاج ما أنزل الله بهم من سلطان، ومساعدين لهم لا تأخذ منهم عملا إلا إذا ضمن الحوافز فى يده قبل العمل. أسلوب العمل فى ماسبيرو وعدد العاملين، خلق موظفين ولم يخلق مبدعين، فالعمل الذى يمكن أن يفعله واحد يُحدد له عشرة، وفى النهاية يقوم واحد فقط بإنجازه بشق الأنفس، وينتظر الآخرون الثواب والدرجة والحوافز فيسود الظلم دون إجادة.
أنا والوزير والناس
كنت قد آليت على نفسى ألا أكتب عن التليفزيون وبرامجه سلبا أو إيجاباً منذ أن بدأ تعاملى معه، حتى لا أُتهم بمحاباة أحد أو الهجوم على أحد، ولكنى خالفت هذه القاعدة مرة واحدة حين تم العدوان على غزة من قبل إسرائيل، وبدا التليفزيون ببرامجه وتناوله الإعلامى كسيحا أمام الهجوم على مصر، لم أستطع أن ألتزم الصمت لأنى فى هذا الموقف، لم أكن ملزمة بالحديث عن برنامج أو شخص، ولكنى أتحدث عن سياسة إعلامية عامة، هاجمت فيها الوزير، وقلت، أنه حين تتخذ لأول مرة مصر موقفا سياسيا قويا، يخذلها إعلام دولة كسيح مسؤول عنه وزير وجب حسابه، لأنه فاشل فى أهم ما يجب الدفاع عنه. اتهمت الوزير بالفشل ولم أفكر فى أنى أقدم عملا فى التليفزيون، فأنا أقول كلمة حق. وفوجئت بصدور قرار بمنعى من العمل فى التليفزيون، وأن العاملين داخل المبنى فى ذلك اليوم لم يسلّم منهم أحد علىّ، بل يديرون وجوههم عنى، ربما خوفا من أن يقال عنهم أنهم سلموا على اللى شتمت الوزير ..... ثمن قليل تصورت أنى سأدفعه من أجل حرية رأى. ولكن لعجبى اتصل بى الفقى الذى لم أكن التقيته من قبل، واعتذر عن قرار اتخذه موظفوه ظنا منهم أنهم بذلك يدافعون عنه، وقال إن من حقى أن أعبر عن رأيى، فقلت له جملة كان عليها شهود، قلت اللهم اجعلنى كلمة حق عند سلطان جائر أو حائر، فلما رد بأنه ليس كذلك، قلت إن من يحكم ويتحكم فى أكثر من 45 ألف نسمة، لابد أن يكون حائرا وجائرا وقد كان كذلك بالفعل.
والغريب أن بعد هذا الموقف دون أن أدرى صاروا يحكون عنى داخل المبنى أنى من الأقوياء، وحكايات ليس منها شىء حقيقى، وانضم الزملاء الصحفيون فى نسج أرقام أتقاضاها عن برنامج أقدمه، وأنى أعمل مستشارة للمسؤولين فى التليفزيون، وما من شىء مما كان يتردد صحيحاً، فقد كنت فقط معدة لنشرة فنية يومية، ثم تلى ذلك تقديم برنامج نقدى للصحافة الفنية، وهى مهنتى وكان يصعب أن يقدمه أحد غيرى من المتاحين من مذيعات التليفزيون، بتوع يا قمر، يا جميلة، وبرنامج كلام على ورق كان فى المقام الأول برنامجا نقديا لاذعا، والأهم أنى كنت شاهدة على نهاية عصر وبداية آخر.
الفتنة الطائفية الغائبة الحاضرة
كانت مصر تموج طوال سنوات ماضية ومازالت بفتنة دينية، غذتها السياسة وأطماعها وجهالة تعليم وعقول مظلمة، حصرت علاقة البشر بعضهم ببعض فى خانة الديانة وصورة الحجاب، ورغم كل ما كان يموج به الشارع، بدا مبنى ماسبيرو يعانى من هذه المشكلة، على الأقل فيما كنت أرى، إلى أن حدث موقف أكد لى أن الفتنة دائما نائمة، لعن الله من أيقظها. كانت رئيسة التليفزيون نادية حليم سيدة من وجهة نظرى طيبة، وإن لم أكن أعرفها من قبل إلا كمذيعة، بلا لون أو شخصية، تدعوك لتذكر أى من برامجها، وطبعا كل هذه المواصفات بالتأكيد لا تكفى لكى تقدم كرئيسة كفء للتليفزيون، ولكنها على كل حال كانت كذلك. وكم ممن تبوؤا مناصب فى هذا البلد كانوا اختيارا فى غير محله، إذاً لم تكن نادية حليم استثناء، ولكن المصيبة كانت فيما اكتشفته من عقل سيدة كانت مسؤولة عن جزء من الإعلام، لم أقترب من نادية حليم طوال فترة عملى فى التليفزيون ولكن كنا نلتقى مصادفة مع تحية متبادلة، غير أنى وجدتها على غير عادة، تسألنى فى مرة عن اسمى بالكامل، فتعجبت وقلت حنان شومان، فقالت إنها طبعا تعرفه ولكنها تريد اسمى الثلاثى، فقلت غريبة وذكرت اسمى ثلاثيا يتوسطه عبدالعزيز، فقالت يعنى مسلمة! فزاد تعجبى، فردت بأنها منذ أن رأتنى تصورت أنى مسيحية، لأنى فى معرض حديث لى أمامها قلت عن أحد القساوسة كلمة أبونا، ولما سألت وما الفرق، فقالت أصلى مش بحب المسيحيين، قلت يا نهار أسود سيدة مسؤولة، كما هو المفروض، عن جزء من وعى المجتمع، تصنف الناس حسب الدين وهى أيضا ترأس بالتأكيد مسيحيين ومسلمين، فكيف تعدل بينهم وهى من تجهر بحب أصحاب ديانة وكراهية آخرين!
وأيقنت وقتها أن مصر فى خطر وورطة كبرى إن كان بعض كبار مسؤوليها يفكرون بهذا المنطق فما بالنا نعيب على الدهماء جهلهم.
وإن كان الآن هناك من حديث عن ديمقراطية وانتخاب أصحاب المناصب، فأولى أن نطلب إجراء اختبارات نفسية وعلمية على من سيتولون المناصب، حتى نأمن ألا يكونوا متطرفين قد لا يجاهرون بآرائهم فى التطرف، ولكن سيمارسونه بالتأكيد وينقلونه بالتبعية لآخرين.