أولئك الذين يقتلون، أولئك الذين يُفجّرون ويحرقون ويهدمون، أولئك الذين أخفقوا فى أول درس تعلّمه الإنسانُ على الأرض قبل ملايين السنين: درس الحب، إليهم مقالى. أعلم يقينًا أنهم لا يقرأوننى الآن. ربما هم لا يقرأون أبدًا.
فهم مشغولون بما يرونه أهم. مشغولون بالقتل والسباب والتهديد وإهراق الدماء وترويع الآمنين. أكتب إليهم لأننى لا أجد سبيلا آخر للوصول إليهم. لا أدرى، ربما ألتقيهم يومًا وفى يدهم خنجرٌ يزهقون به روحى، فلا أجد برهةً من الزمن لأقول لهم ما أود قوله منذ دهور. ولذلك أكتب إليهم هذا الكلام الذى ربما لن يقرأوه أبدًا.
كل ما أود قوله لهم هو: الحبُّ سهلٌ جدًّا. ولم يخلقنا الله تعالى إلا لكى نحبّ. نحبّه، فنحبّ خلقَه. مَن امتلأ قلبُه بحب الله، فكيف يجد فى قلبه متسعًا لكراهية؟ الحبُّ طاردٌ للبغض، مثلما الجمالُ طاردٌ للقبح، مثلما النورُ طاردٌ للعتمة. الحبُّ سهلٌ!! مثل سهولة ابتسامة طفل حين يشهد الحنوَّ فى عينين تنظران له بمودة. مثل سهولة إشعال شمعة لينساب ضوؤها فيبدد الظلام.
جرّبوا أن تطردوا من عيونكم الشررَ وتستبدلوا به شيئًا من الحنوّ والرحمة والعطف الذى يحمله اللهُ لكل مخلوقاته. فقط جرّبوا! جرّبوا أن تتيقنوا أن حياةَ «الآخر» ليست مخصومةً من حياتكم. لأن الله وهبنا جميعًا هواءً لنتنفس، وأرضًا لنحيا عليها معًا. جربوا أن تفكروا فى حقيقة تقول إننا ولدنا مسلمين أو مسيحيين محضَ مصادفة. لم يختر، تقريبًا، أحدٌ منّا دينه، فهل نقتتل على ما لم نختره ووجدنا أنفسنا عليه محضَ وراثة؟!
جرّبوا أن تؤمنوا أن أمنَ «الآخر» وأمانه ضمانةُ أمنكم وأمانكم وأمن مصر وأمانها، والأخطر: فرحها. فرحُ مصر. يا لها من قيمة! فرحُ الله. يا لها من قيمة! فرحُ أطفالنا وأمنهم من بعدنا، يا لها من قيمة! نعلم يقينا أن فى صدروكم قلوبًا قادرةً لم تزل على الحب. جربّوا أن تنشطوها. لأننا نحبكم، ومصرُ تحبكم، رغم ما تفعلونه بها! لأن مصر لا تعرف الكراهة ولا البغضاء حتى مع مَن يسيئون إليها. دعونا من القانون وسيادة القانون، فالقانون لا يقوم إلا بين الخصوم.
ونحن، أبناءَ مصر، لسنا خصومًا، بل إخوة. دعونا من الدولة وهيبتها، التى باتت تهوى فيما يبدو، فللدولة وللحكومة مهامُها الاقتصادية والسياسية الجسام، خصوصًا فى لحظة دقيقة كهذه التى نحياها الآن وتمرّ بها مصر. دعوا الحكومةَ لأمورها الجلل، وخلّوا أمورنا الاجتماعية البسيطة لنا نحن أولى بحلّها. نحلّها بالحب. بأن نصدّق حقيقةً بسيطة جدّا تقول إننا جميعًا شركاءُ فى هذا الوطن. وأن ثراءَ مصرَ وجمالَها ليس إلا بأقباطها من المسلمين والمسيحيين «معاً». بمساجدها وكنائسها «جميعًا». بتعددها وسعة صدرها. وأن من صالحنا ألا يتفتت هذا الوطن. مصرُ الآن مثخنةٌ بالجراح، فلصالح مَن نزيد جراحها بدل أن نضمدها؟! مصرُ مهددةٌ باختراقات خارجية خطيرة، يتربّص بها المتربصون من كل صوب، فلصالح مَن نفتح الطريق لكل طامعٍ يريد أن ينال من شرفها وسيادتها؟! مصرُ على شفا حفرةٍ من الانهيار، فلصالح مَن ندفع بها للهاوية، بدل أن نمد جميعنا يدًا واحدًة قوامها مائة وستون مليون يد لننقذها من السقوط؟! ربما لم تكن مصرُ فى حاجة قصوى إلينا، مثلما هى الآن. فهل نتخلى عن هذه الجميلة الجريحة، وصوتُها يئنُّ فى وجع: أنقذونى يا أطفالى؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
المحلاوى
أعيدى التفكير من فضلك
عدد الردود 0
بواسطة:
مصريه قبطيه
ربنا يحميكى
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق
ياريت
عدد الردود 0
بواسطة:
ماجي
ربنا يحميكي
عدد الردود 0
بواسطة:
jo
الحق الخير الجمال
عدد الردود 0
بواسطة:
جيهان
هذا ما تحتاجه مصر فعلا الأن
عدد الردود 0
بواسطة:
م /على
لحظة من فضلك ... يا سيدتى
عدد الردود 0
بواسطة:
محب
محب لله والناس
عدد الردود 0
بواسطة:
amin
God bless you
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد
مقال رائع كالعادة